بقلم / محمــــد الدكـــروري
لقد بل بلغ التشديد علي النهي والإبتعاد عن شهادة الزور، حد المنع من مجرد حضور الجمع الذي يشهد فيه بالزور، ومخالطة من يعرفون به، فقال أبو حيان في قول الله تعالى “لا يشهدون الزور ” وقيل أن المعنى هو لا يحضرون الزور، ويعضده ما ذهب إليه ابن كثير في قول الله تعالى ” وإذا مروا باللغو مروا كراما” فقال “أى لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به، مروا ولم يتدنسوا منه بشيء” فكيف بهذا الزمان الذى يشهد فيه الناس دون أن تطلب شهادتهم، استسهالا لها، وتهوينا من شأنها، فيقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “خيركم قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن” متفق عليه، وفي لفظ “ثم يجيء أقوام، تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته” متفق عليه.
وهو كناية عن التسرع فى الشهادة والحلف، والحرص عليهما ولو لم يطلب منه ذلك، ولكن عند الله يجتمع الخصوم، ويقضى بين الخلائق بالحق فقال تعالى “ونضع الموازين القسط ليوم القيامه فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردك أتينا بها وكفى بنا حاسبين” فليتق الله شهداء الزور، وليتوبوا إليه قبل أن يباغتهم الموت، فيصيروا إلى يوم يأخذ المظلومون فيه بتلابيبهم، فلا يدعوهم حتى يأخذوا حقهم حسنات، أو يطرحوا عليهم من سيآتهم ثم يُطرحوا في النار، فإن هذه الآفات الخطيرة، التى تعتبر من أعظم الأدواء التي تنخر في جسم الأمة الإسلامية، وأيضا فإن هناك آفة خطيرة لا يقتصر أثرهاعلى آكل الحرام وحسب، وإنما ينسحب على المجتمع بالهلاك، والدمار، وخراب البيوت، إنها معضلة الخمور، التي غزت كثيرا من أسواقنا، ومجتمعنا إنها أم الخبائث، التي أغلظ فيها النبي صلى الله عليه وسلم الخطورة.
فقال”الخمر أم الخبائث، ومن شربها لم يقبل الله منه صلاة أربعين يوما، فإن مات وهي في بطنه، مات ميتة جاهلية” بل وإنه يرتقي الأمر إلى حرمان شارب الخمر من الجنة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة، مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذى يقر في أهله الخبث” رواه أحمد، ولا يقتصر جزاء المخمر على الحرمان من الجنة، بل يمتد ليُسام أشد العذاب، فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن على الله عهدا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال” قيل يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال “عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار” فالخمرة تستهوى صاحبها حتى يصير عبدا لها، ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم “مدمن الخمر كعابد وثن”رواه ابن ماجة.
وقد يكون المعنى أن مدمن الخمر له من العذاب يوم القيمة كعذاب عابد الوثن، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم “شارب الخمر كعابد وثن، وشارب الخمر كعابد اللات والعزى” وقد قال عبد الله بن أبي أوفى “من مات مدمنا للخمر، مات كعابد اللات والعزى” قيل “أرأيت، مدمن الخمر، هو الذى لا يستفيق من شربها؟ قال “لا، و لكن هو الذى يشربها إذا وجدها ولو بعد سنين” فالخمر مفتاح الشرور كلها، مهلكة للنفس، وممحقة للمال، ومذهبة للصحة، ومخربة للمجتمع، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه “أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم أن لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وحرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة، ولا تشرب الخمر، فإنها مفتاح كل شر” رواه ابن ماجة.
زر الذهاب إلى الأعلى