بقلم / محمـــد الدكـــروري
إنه عندما عظم الخطب واشتد الأمر علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم تبوك الذي سماه الله تعالى يوم العسرة كما قال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة التوبة ” لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فى ساعة العسرة” فلقد فتح الرسول صلى الله عليه وسلم باب التبرع علانية حتى يحفز المسلمون بعضهم بعضا، وكان أول القائمين عثمان بن عفان رضي الله عنه، لقد قام فقال “علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله” فسُرّ رسول الله صلي الله عليه وسلم بذلك سرورا عظيما، فهذا عطاء كثير، ثم فتح باب التبرع من جديد، فقام عثمان بن عفان ثانية يزايد علي نفسه، قال “علي مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله” فسعد به رسول الله صلي الله عليه وسلم سعادة عظيمة، حتى إنه قال “ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم”
ولكن هل سكن عثمان أو اطمأن؟ انظر إليه، فلقد أخذ يدفع من جديد حتى وصل ما تبرع به إلي ثلاثمائة بعير، وفي رواية تقول تسعمائة بعير، ومائة فرس، ثم ذهب إلي بيته، وأتى بألف دينار نثرها في حجر رسول الله صلي الله عليه وسلم، ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقلبها متعجبا، وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، أتى بأربعة آلاف درهم، وقد يقول قائل إنها أقل بكثير مما جاء به عثمان، لكنها تعتبر أكثر نسبيا من عطاء عثمان، لأنها كل مال أبي بكر الصديق، حتى إن رسول الله صلي الله عليه وسلم سأله “وماذا أبقيت لأهلك؟” قال له في يقين “أبقيت لهم الله ورسوله” وأتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصف ماله، وهو كثير، بل كثير جدا، وهذا هو عبد الرحمن بن عوف أتى بمائتي أوقية من الفضة، وهذا أيضا كثير، بل إن النساء أتت بالحلى، فكان الكل يشارك.
وكانت قضية إسلامية تشغل كل فئات الأمة حتى الفقراء الذين لا يملكون إلا قوت يومهم، جاءوا بالوسق والوسقين من التمر، وهو تمر قليل يجهزون به الجيش الكبير؟ نعم قليل، لكن هذا كل ما يملكونه، سيطعمون جنديا أياما، وقد لا يعني هذا في نظر بعض الناس شيئا لكنها تعني بالنسبة لهم الكثير، وتعني أيضا عند الله الكثير والكثير، حتى إن المنافقين كانوا يسخرون من هذه العطايا البسيطة فأنزل الله دفاعا عظيما في كتابه عن هؤلاء الفقراء المتصدقين، فقال الله تعالى فى سورة التوبة ” والذين يلمزون المطوعين من المؤمنين فى الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم” وقيل لما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الخروج إلى عير قريش، قال خيثمة بن الحارث لابنه سعد “إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم فآثرني بالخروج.
وأقم مع نسائك، فأبى سعد، وقال لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجههي هذا، فاستهما أي اقترعا، فخرج سهم سعد، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقتل يومئذ، وهذا أبو مسلم الخولاني عندما كان يقوم الليل فإذا تعبت قدماه ضربها بيديه قائلا ” ﻗﻮﻣﻲ ﻓﻮالله ﻷﺯﺣﻔﻦ ﺑﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺯﺣﻔﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﻠﻞ ﻣﻨﻚ ﻻ ﻣﻨﻲ، ﺃﻳﻈﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻣﺤﻤﺪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺄﺛﺮﻭﺍ ﺑﻪ ﺩﻭﻧﻨﺎ، ﻭالله ﻟﻨﺰﺍﺣﻤﻨﻬﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﺯﺣﺎﻣﺎ، ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻬﻢ خلفوﺍ ﻭﺭﺍﺀﻫﻢ ﺭﺟﺎﻻ” فهو يريد المنافسة ويريد أن يزاحم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة، وهنيئا له بهذه المنافسة الشريفة، وكما أن الصالحين تنافسوا في الخير والفوز به وتسابقوا في الوصول إليه، فإن الطالحين وأهل الهوى والشهوات تنافسوا في المنكرات وتسابقوا في ارتكاب المحرمات والسقوط في حمأتها.
زر الذهاب إلى الأعلى