بقلم / محمـــد الدكـــروري
إنه عندما كانت المرأة تجهل شخصية الرسول صلي الله عليه وسلم ثم تعرف تلك الشخصية، وقد أخطأت في حقها، كانت تتأثر تأثرا عظيما، فقيل أنه أتى رسول الله صلي الله عليه وسلم على امرأة تبكي على صبي لها، فقال لها ” اتقِ الله، واصبري ” فقالت وما تبالي بمصيبتي، فلما ذهب قيل لها إنه رسول الله صلي الله عليه وسلم، ما كانت تعلم أنه رسول الله، فألقت كلمة وما تبالي بمصيبتي، فلما ذهب قيل لها إنه رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخذها مثل الموت، فكيف تكون علامات الميت، من الاصفرار والذبول، وهذه العلامات أخذت المرأة، فأخذها مثل الموت، لماذا أخذها مثل الموت؟ لأنها عرفت هذه الكلمة العظيمة أمام من ألقتها، استعظمت الكلمة التي ألقتها، ولكن اليوم تقول للناس شيئا فيستهزئون به وينكرونه.
فإذا قلت يا جماعة إن هذا حديث صحيح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ماذا يحدث لهم، هل يتأسفون، هل يأخذهم من الموت أو أدنى من ذلك؟ إذا عرفوا كلام من الذي استهزؤوا به، وكم يتأسف الإنسان على أحوال كثير من شبابنا ممن أغرم بحب الرياضة والفن، ويهتم لها ويحزن ويغتم، أكثر مما يهتم لقضايا إخوانه المسلمين، فهل هذا قلبه سليم؟ بل نقول لهذا أدرك قلبك فهو على شفا هلكة، أو أنه يكره الحق ويضيق صدره به، وهذا بداية طريق النفاق، بل غايته، أو أنه يجد وحشة من الصالحين، ويأنس بالعصاة والمذنبين، فتجد من الناس من لا يطيق الجلوس مع الصالحين، ولا يأنس بهم، بل يستهزئ بهم ومجالسهم، ولا ينشرح صدره إلا في مجالسة أهل السوء وأرباب المنكرات، ولا شك أن هذا دليل على ما في قلب صاحبه من فساد ومرض.
أو قبوله الشبهة، وتأثره بها، وحبه للجدل، وعزوفه عن قراءة القرآن، أو الخوف من غير الله، ولذلك يقول الإمام أحمد “لو صححت قلبك لم تخف أحدا” وهذا العز بن عبد السلام يتقدم أمام أحد الملوك الطغاة، ويتكلم عليه بكلام شديد، فلما مضى قال له الناس “أما خفت يا إمام” فقال “تصورت عظمة الله، فأصبح عندي كالهر” والآن نرى من الناس من يخاف من بعض الناس أكثر من خوفه من الله، وهذا لا شك دخن في قلب صاحبه، والعاقل خصيم نفسه، أو وجود العشق في قلبه، فقال شيخ الإسلام “وما يبتلى بالعشق أحد إلا لنقص توحيده وإيمانه، وإلا فالقلب المنيب فيه صارفان يصرفانه عن العشق، إنابته إلى الله ومحبته له، وخوفه من الله” أو أنه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا ولا يتأثر بموعظة، وقد نسب الله عز وجل الإثم إلى القلب.
فقال عز وجل كما جاء فى سورة البقرة ” ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبة” فالإثم جامع لمطلق الذنب الذي يتدرج فيه القلب، من عموم المعاصي صغائر وكبائر، حتى يهوى به إلى الشرك الأكبر، فيختم أو يطبع عليه، وقد أوضحها ابن القيم مسلسلة، فقال “وأول ما يطرق القلب الخطرة، فإن دفعها استراح مما بعدها، وإن لم يدفعها قَويت، فصارت وسوسة، فكان دفعها أصعب، فإن بادر ودفعها وإلا قويت وصارت شهوة، فإن عالجها وإلا صارت إرادة، فإن عالجها وإلا صارت عزيمة، ومتى وصلت إلى هذه الحال، لم يمكن دفعها، واقترن بها الفعل ولا بد” وقد وردت هذه المادة مرتين في القرآن الكريم، بمعنى الميل والركون فارتبطت الأولى بالفؤاد كما في قول الله عز وجل فى سورة الأنعام ” ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة”
والثانية بالقلب في قوله تعالى كما جاء فى سورة التحريم ” إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما” ويعني أن القلب حاسة قابلة للانحراف ما لم تجد عاصما يكبحها.
زر الذهاب إلى الأعلى