بقلم د/ شيرين العدوي
على نيل مصر المذهب أقيم ملتقى الشارقة للسرد في دورته الثامنة عشرة للمتخيل السردي وأسئلة ما بعد الحداثة في الرواية المعاصرة تحت رعاية معالي الوزيرة الجديدة ا/د نيفين الكيلاني التي تسلمت الأمانة من الفاضلة ا/د إيناس عبد الدايم بعدما أبلت بلاء حسنا متمنين للوزيرتين مزيدا من العطاء العلمي والعملي، وتحت عناية سمو حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، وبحضور ا/د هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، والشاعر الكبيرا/عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة بإمارة الشارقة ممثلين للبلدين.
وقد وقع اختيار إقامة الملتقى هذا العام على مصر لدورها الثقافي الرائد؛ فمن توجهات صاحب السمو الذهاب بالثقافة إلى مستحقيها بالامتداد داخل كل الأقطار العربية؛ حيث يكون الصيد ثمينا بالمد الثقافي الإماراتي العروبي الإسلامي، وتنشيط السياحة للمكان المختار. وقد طاف الملتقى بعدة دول عربية قبل مصر الحبيبة منذ دورته الثامنة. إنه فكر الشارقة البناء بتأكيد اللحمة الثقافية العربية. فما تفرقه السياسة تجمعه الثقافة. وقد تأكد هذا من قبل بفكرة إنشاء بيوت الشعر على مستوى الوطن العربي للحفاظ على هذا الفن الجميل الذي هُدد بالاندثار في لحظة ما رصدتها الشارقة بذكاء وتصدت لها بالفعل العملي. وقد كنت حاضرة طرح الفكرة مع سمو الشيخ القاسمي، ومجموعة من رموز الثقافية المصرية منهم من غادرنا مؤخرا مثل ا/د أحمد مرسي الذي يعز علي نعيه بالغائب الحاضر. وقامت هذه البيوت بإلقاء الضوء على الوجوه الشعرية الجديدة كما حفظت للشعر مكانته على الخريطة الثقافية.
في ملتقى السرد اختيرت الأسماء بعناية فائقة من قبل المنظميْن: الروائي الكبيرعبد الفتاح صبري والشاعر الكبير حسين قباحي؛ حيث تجددت أوراق الشجرة الثقافية بأصوات جادة؛ فمصر الولود ستظل حاضنة للمشهد الثقافي بعقولها الناضجة. جاءت الورقات النقدية، والشهادات الأدبية قوية متمردة، والمناقشات حادة راصدة محللة للمشهد الروائي القلق الذي تمرد على واقعه. ورصدت حالة التشظي والتشذر التي باتت سمة مميزة للرواية المعاصرة، مع فكرة انكسار الزمن الروائي الأحادي الذي بات متعرجا متداخلا يتشظى كما تتشظى الأحداث، كما انكسرت فكرة المكان، وغابت الشخصيات وحضرت بتفككها المعرفي وتمردها على الوحدة والتماسك في البناء الروائي؛ وبات السرد حالة من اللعب بلغة رامزة معقدة ومكثفة محتفية بنفسها على حساب التواصل المعرفي مع القارئ، كما استفادت اللغة الحديثة من الطاقات الشعرية التي فتحت المجاز التأويلي، وجسدت الصورة البصرية السينمائية. لقد صور السرد الروائي حالة التشظى المعرفي والفكري والسياسي والثقافي.
الأسئلة التي أرقتني على مدار عدة أيام هي: هل هذه الحالة التفكيكية والحافرة أبعد من المتوقع يتحملها القارئ المُجهًّل المتشظى أصلا مع الحياة اليومية والرقمنة؟! وهل سيستطيع كشف المسكوت عنه فيها اعتمادا على ذكائه لو قرأ؟! هل فقدت الرواية هويتها بسبب تمردها ولهاثها لما بعد الحداثة؟! وهل يستطيع المؤرخ الاعتماد علي الرواية التاريخية كتاريخ أدب يرصد من جانب ما “التاريخ”؟! هل استطاعت الرواية هز مكانة الشعر، أم لعبت بنفس لغته الرامزة فوقعت فيما حاولت اتهامه به بالبعد عن المتلقي؟ في نهاية مؤتمر السرد يحضرني شعر عبد الله العويس: (يستطيب الشعر بأسبابك/ وأنهمر في شط بستانه).
زر الذهاب إلى الأعلى