لم يفكر أحد من مرتكبي جرائم القتل التي منينا بها في الآونة الأخيرة هل سيذهب إلى النار أم الجنة! انغلقت قلوبهم وران عليهم الحقد والجشع في الدنيا، فكانت صدورهم أقفالا تعلوها أقفال. فأين ذهبت الأخلاق، وكيف أضاعوا الله وتعاليمه؟! الطريق إلى النار محفوف بالإحساس بالخلود فلو فكر القاتل للحظة واحدة كيف سيدخل القبر، وأين ستذهب روحه بعد قبضها، وكيف سيحاسب لتراجع فورا؛ لكن كل من قتلوا سيطرت عليهم فكرة الإفلات من العدالة والعيش بسلام رغم جرائمهم البشعة. وفي الفترة الأخيرة شاع القتل في المجتمع المصري، ويسترعي فيه الانتباه شيوعه بين طبقتين جمعهما خيط رفيع غير مرئي. ونستطيع أن نقسمهما إلى: طبقة ملح الأرض “الفقراء”،والطبقة القافزة من القاع إلى القمة للطبقة المترفة الثرية. تسعى طبقة ملح الأرض في هذه الآونة إلى السير على نفس منوال الطبقة الثانية بالقفز للطبقة الثرية مباشرة دون المرور بالطبقة المتوسطة التي كانت الحصن المنيع في التماسك المجتمعي والتي تبيع مجهودها العضلي والفكري والثقافي مقابل العيش بستر دون المرور بأزمات كبري؛ بل إن الفجوة المادية جعلت هذه الطبقة الفقيرة تتعدى فكرة الرضا بالقليل إلى التطلع للحياة الباذخة التي ترسخت في وعيها مما تشاهده من أخبار المشاهيرعبر وسائل التواصل الاجتماعي. حيث محت السوشيال ميديا الحد الفاصل بين الواقع والمتخيل لحياة الطبقة الثرية؛ بل وتم اختراقها من الطبقة المطحونة اجتماعيا. وساعد في ذلك تصوير حياة البذخ التي تعيشها عبر خاصية اللايف في الفيس بوك والانستجرام وغيرهما. مما جعل الطبقة المطحونة تعيش حياة البذخ تلك في الخيال وعلى أرض الواقع في نفس الوقت؛ فيتخيل كل مشاهد أنه صاحب هذه الحياة ويستطيع تحقيقها رغم أن ما ظهر منها هو نصف الكوب الممتلئ أما النصف الفارغ فهو قصة الكفاح غير الظاهرة للوصول لتلك الحياة. هذا الطمع الدنيوي دون وعي بقيمة العمل للتمتع بالمنجز هو الدافع لهذا الخلل المجتمعي خصوصا مع ظهور الطبقة الثانية بقوة مندمجة في حياة الترف؛ حيث كان وصولها للثراء سريعا وبطرق غير أخلاقية حينا ،وغير مشروعة أحيانا؛ ومع ذلك تقبلتها الطبقة الثرية المستقرة وسرعان ما اندمجتا وأصبحتا تمثلان قوة متحكمة في الطبقة الفقيرة المطحونة، مما جعل الطموح غير محدود لدى هذه الطبقة الفقيرة في القفزللوصول للقمة دون مجهود، وانغمست الطبقتان في المادية، وابتعدتا عن الأخلاق الحاكمة المتزنة، فضلا عن الاستهتار بالثقافة والفكر اللهم إلا الفكر المغذي لزيادة الثروة دون رادع أو وازع . مما جعل الجريمة أمرا سهلا على الطبقة القافزة لأنها محمية بمنظومة اقتصادية قوية، وعلاقات حاكمة تحميها. وهانت على الطبقة المطحونة نفسها واستسهلت الجريمة عندما فقدت الأمل في الوصول للطبقة القافزة فتساوت لديهم فكرة الموت والحياة، وربما قتلت من أجل الشهرة والمجد وركوب الترند “الانتشار عبر السوشيال ميديا” لتصبح في بؤرة الضوء ومحل اهتمام المجتمع كالمشاهير. إن خيط الصعود السريع دون مجهود حقيقي لقمة الهرم المجتمعي هو ما ربط القصص التي عاصرناها في الفترة الأخيرة. فقننوا السوشيال ميديا وضعوا لها ضوابط للنشر، وأخفوا الحياة الشخصية لتنضبط الأخلاق .