دين ودنيا

الدكروري يكتب عن حقوق الجار المسلم

بقلم / محمـــد الدكــــروري

إن اللغة هي الوسيلة الأساسية للاتصال بالآخرين، والتأثير عليهم ولذلك فهي جزء مهم من قوة الشخصية، وتلعب اللغة دورا كبيرا في إعادة برمجة المعتقدات والأفكار، وقد يعاني كثير من الناس من مشكلة التعبير بدقة عما يريدون، فقد تجد شخصا لديه أفكار كثيرة، ولكنه عندما يريد أن يتكلم لا يعرف ما يجب أن يتكلم به، أو ربما ينسى ما يريد قوله ، أو يتردد في هذا القول ، وأعظم ما يؤثر في اللغة حفظ القرآن فعليك بحفظ القرآن، فالقرآن يكسبك قوة هائلة في التعبير عما تريد، فالله تعالى هو القائل العظيم ” إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم” إذن فالقرآن يقوّم أي خلل تعاني منه، فيستحق الجار المسلم ما يستحقه كل مسلم وزيادة بالمجاورة، وليس حق الجوار كف الأذى فقط، بل احتمال الأذى والرفق.

وابتداء الخير، وأن يبدأ جاره بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ويعوده في المرض، ويعزيه في المصيبة، ويهنئه في الفرح، ويصفح عن زلاته، ولا يطلع إلى داره، ولا يضايقه في وضع الخشب على جداره، ولا في صب الماء في ميزابه، ولا في طرح التراب في فنائه، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف من عورته، ولا يتسمّع عليه كلامه، ويغض طرفه عن حرمه، ويلاحظ حوائج أهله إذا غاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك” رواه مسلم.

وفي لفظ ابن حبان “فإنه أوسع للأهل والجيران” فإنه لأدب رفيع أن تحسن إلى جارك وتتصدق عليه فتطعمه مما تطعم، وتفرحه إذا فرحت وتهدي إليه إذا أهديت لأبنائك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالا فريدا في الإحسان إلى الجار، وحفظ حقوقه ورعاية مصالحه والسؤال عنه، بل كان يعود جيرانه من اليهود والمشركين ويجيب دعوتهم ويحسن عشرتهم، ويتصدق عليهم ويهدي إليهم، ويهش لهم إذا لاقاهم ويخصهم بالخير، فقد آذاه جيرانه في مكة فخرج إلى الطائف فسلطوا عليه سفهاءهم، يرمونه بالحجارة فيجد من الأذى والشدة ما لا يجده في غيره، ويأتيه جبريل عليه السلام يستأمره بإطباق الأخشبين عليهم فيمتنع من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولقد حقق السلف الصالح والكرام حق الجوار أتم تحقيق وأحسنه، إذ كانوا أكثر مراعاة لحقوق المسلمين وحرماتهم ومصالحهم، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الحشر ” ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة” وقد ذكر الخطيب البغدادي رحمه الله، في تاريخه قصة وقعت لأبي حنيفة رحمه الله مع جار له، قال كان لأبي حنيفة بالكوفة إسكافي أي صانع يعمل نهاره حتى إذا جن الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحما فطبخه، أو سمكة فيشويها، ثم لا يزال يشرب حتى دب الشراب فيه غنى بصوت وهو يقول أضاعوني وأي متى أضاعوا، ليوم كريهة وسداد ثغر، فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم, وكان أبو حنيفة يصلي بالليل ويسمع جلبته، ففقد أبو حنيفة صوته فسأل عنه.

فقيل أخذه العسس منذ ليال وهو محبوس، فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد وركب بغلته واستأذن على الأمير، قال الأمير ائذنوا له وأقبلوا به راكبا، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط، ففعل، فلم يزل الأمير يوسع له من مجلسه، وقال ما حاجتك؟ قال لي جار أخذه العسس منذ ليال، يأمر الأمير بتخليته، فقال نعم، وكل من أخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا، فأمر بتخليتهم أجمعين، فركب أبو حنيفة والإسكافي يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه وقال يا فتى أضعناك؟ قال لا، بل حفظت ورعيت جزاك الله خيرا عن حرمة الجوار ورعاية الحق، وتاب الرجل ولم يعد إلى ما كان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock