بقلم / محمـــد الدكـــروري
في قصة أبكت النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم يقول الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه “بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أضحكك يا رسول الله ؟ فقال صلي الله عليه وسلم رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله تعالي كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء، قال إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل من أوزارهم، فقال الله للطالب ارفع بصرك فانظر، فرفع فقال يا رب أرى مدائن من ذهب وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا؟ قال الله لمن أعطى الثمن، قال يا رب ومن يملك ذلك ؟
قال أنت تملكه، قال بماذا ؟ قال بعفوك عن أخيك، قال يا رب، إني قد عفوت عنه، قال الله فخذ بيد أخيك وأدخله الجنة ” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ” اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المسلمين ” رواه الحاكم والبيهقي، وإن من صور الوفاء، هو الوفاء مع الناس كافة، فما أشد حاجة الناس إلى الوفاء، في زمن فشى فيه الجحود والنكران في قلوب كثير من البشر، فلا الجميل عندهم عاد يذكر، ولا المعروف لديهم صار يحفظ، فتجد البعض من الخلق، يأخذون ولا يعطون لا يسمحون بضياع نزر يسير من حقوقهم ولا يردون حقوق الناس إلا بعناء، ولو ردوه تجدهم لا يفكروا في رد الجميل، بل يردوه وكأنهم هم أهل الفضل والمنة، وكأنهم ما خلقوا إلا ليأخذوا.
لا ليعطوا وما وُجدوا إلا ليستغلوا، لا ليمنحوا وما علموا أن قيمةَ الحياة الحقيقية تكمن في البذل والعطاء من المال والعلم والوقت والجاه، فلو نظرت إلى واقع الأمة اليوم، ستجد كم من الناس من يتكلم، وكم من الناس من يعد، وكم من عهود مسموعة ومرئية ومنقولة، ولكن أين صدق الوعود؟ وأين الوفاء بالعهود؟ فليعلم العبد أنه سيسأل عن وفائه يوم القيامة، فقد قال عز وجل ” وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا” فماذا يكون جواب العبد إذا سئل عن وعوده وعهوده وعقوده التي أمره الله تعالى بالوفاء بها وأدائها، فقال سبحانه وتعالى ” وأوفوا بعهد إذا عاهدتم” وقال عز وجل ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود” فماذا يكون جوابه وقد أخلف وعده وضيع عهده وخان أمانته؟
فإن الله تعالى أخذ العهد على الخلق وهم في صلب أبيهم آدم عليه السلام، بأن يعبدوه وحده لا يشركون به شيئا، وأمر سبحانه المؤمنين عامة بالوفاء بالعهود، فالوفاء خُلق كريم، وسلوك نبيل، وصفة من صفات المتقين، فيه أداء للأمانة، وصيانة للمودة، وحفظ للحقوق، ولا يكون التعاون قائما بين الناس، إلا بالوفاء بالعهود وهو مما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فأهل الوفاء هم من التزموا بعهود ربهم، ووقفوا عند حدوده، وامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه، فقال ابن عباس رضي الله عنهما “كل ما أحل الله وما حرّم، وما فرض في القرآن فهو عهد” فإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإحسان بالقول والعمل كل ذلك عهد مع الله تعالى يجب الوفاء به، وإن الوفاء يعظم لمن له حق على الإنسان، من أبناء وإخوان، وزوجة وخلان.
زر الذهاب إلى الأعلى