دين ودنيا

الدكروري يكتب عن إنشاء العقلية العلمية الواعية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن من أعظم ما جاء به القرآن الكريم هو إنشاء العقلية العلمية الواعية في مقابل العقلية العامية الخرافية التي تصدق بكل شيء ولهذه العقلية خصائص لا تقبل دعوى بغير دليل قال تعالى فى سورة البقرة ” قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين” وإن رفض الظن في موضع اليقين وحينما نريد أن نؤسس العقائد، وأن نبني الحقائق، لا بد أن نبنيها على اليقين الذي لا يعتريه شك بحال, ولهذا عاب القرآن على المشركين اتباعهم للظنون في مواضع اليقين فقال الله تعالى فى سورة النجم ” وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا” فإن الظنون مرفوضة في موضع اليقين، وإن تحكيم الحقائق لا الأهواء، فإن الأهواء مرفوضة المزاج الشخصي، لا يجوز أن تتبع العواطف والاعتبارات الشخصية.

وأهواء النفوس في الأمور الموضوعية, أن يكون الإنسان موضوعيا يحكم الحقائق الموضوعية وحدها أما اتباع المزاج الشخصي لأن مصلحتي في الاتجاه الفلاني فأقوم بحشد الأدلة عليه، فقد حمل الإسلام على الجمود والتقليد للآباء والكبراء كما قلنا, ثم بعد ذلك دعا الإسلام الإنسان المسلم إلى أن يفكر في الحقائق الكبرى, يفكر بعيدا عن تأثير العقل الجمعي وحده، أو مع صاحب له، ويقول تعالى فى سورة سبأ ” قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا” وهذا ما دعا إليه القرآن المشركين زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يقولون عليه الأكاذيب فيقولون إنه مجنون وشاعر وكاهن وساحر وهكذا فهذه الأقاويل، وهذا اتجاه جمعي يعني المجتمع يقول بهذا القول ولا يسمحون لأحد أن يشذ عنه.

وإلا فإنه صابيء وخارج عن دين الآباء وسب الآلهة وسفه الأحلام، وهو بذلك معرض للقتل أو الأذى كما نعلم من السيرة النبوية، فدعاهم إلى التخلص من التأثر بالعقل الجمعي فيقوموا مثنى وفرادى, أنت مع صاحب لك, أو أنت وحدك, بعيدا عن تأثير الجماهير من حولك لأن التفكير الجمعي هذا أحيانا لا يصل إلى الصواب، تحكمه الأهواء والعواطف واعتبارات كثيرة، وكما قال تعالى ” أن تقوموا لله” أي مخلصين في طلب الحقيقة “مثنى وفرادى ثم تتفكروا” وهنالك مسألة مهمة وهي أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بأمور قد ندرك معناها ونفهم الحكمة منها، وأمور لا ندرك معناها ولا الحكمة منها، لكن عدم إدراك عقلي لشيء أمر الله تعالى به لا يعني أبدا بالتلازم أن أرد الأمر على الله، حينما لا يدرك عقلي حكمة إلهية.

من أوامر الله عزوجل لا يعني بالتلازم أن أنقد أوامر الله، فلا يصح لمسلم أو مسلمة أن يقول لا تعجبني هذه الآية، أو لا يعجبني هذا الحديث، أو بما أني لا أفهم هذا فلا أعمل به، وليس معنى عدم إدراك الحكمة أن ترد الأمر على الله، بل اتهم عقلك أنت الذي لم تدرك، لكن أفعال الله لا تخلو من حكمة، وإن خلق الله لا يخلو من حكمة، وأوامر الله لا تخلو من حكمة، وليس هناك أمر عبث، أو خلق عبث، أو تشريع عبث، وحينما يعجز عقلي عن الإدراك أسأل أهل الذكر فقال تعالى ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ” فإذا لم أجد ما يروي العطش أقصد لم أجد ما يقنعني إذن أصبر فهذا اختبار من الله لي هل أنا عبد لله أم عبد لعقلي وهل عندي ثقة أني كعبد لله إذا أمرني أن أقول سمعنا وأطعنا، أم أرد الأمر، وأقول سمعنا وعصينا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock