بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، يرون بر الوالدين أعظم من نوافل العبادات، فقال محمد بن المنكدر ” بت أغمز رجل أمى، وبات أخى يصلى، وما يسرني أن ليلتي بليلته” وأن ابن عمر رضي الله عنهما قال لرجل ” أتفرق النار وتحب أن تدخل الجنة؟ قال أى والله، قال أحي والدك؟ قال عندي أمي، فقال ابن عمر، فوالله لو ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر” والوفاء مع الوالدين لا ينقطع بموتهما، فالابن الوفي البار يشرك والديه معه في صدقاته وبره وإحسانه، ولا ينساهما من دعائه واستغفاره، فقيل أن سعد بن عبادة رضي الله عنه تصدق ببستان عن أمه وفاء لحقها، فقال يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟
قال “نعم” قال فإني أشهدك أن حائطي المخراف، صدقة عليها” رواه البخارى، وقيل أنه حفر بئرا وقال هذه لأم سعد، وقال عامر بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وأرضاهم ” مات أبي فما سألت الله عز وجل حولا كاملا إلا العفو عنه” فعلى نهج الكتاب والسنة تربى الصالحون الأطهار، من الصحابة والتابعين الأبرار، فهذه سيرتهم العطرة في وفائهم مع آبائهم وأمهاتهم، قد فاح عبيرها وعلا ذكرها، ولا يزال الوفاء في الأمة باقيا إلى يوم القيامة، فإن أعظم الناس وفاء هم الأنبياء ورسولنا صلى الله عليه وسلم بلغ المنتهى في الوفاء وحفظ العهد، فمن كريم وفائه صلى الله عليه وسلم بأمته، أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وادخر دعوته المستجابة شفاعة لأمته يوم القيامة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لكل نبى دعوة مستجابة وإنى وضعت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة وهى نائلة منكم إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا” فإذا كان هذا حبه ووفاءه لأمته صلوات ربي وسلامه عليه فحري بنا أن نأتمر بأوامره ونجتنب نواهيه، ونعمل بسنته ونذب عن دينه، فقال القاضي عياض في محبة النبي صلى الله عليه وسلم”اعلم أن مَن أحب شيئا آثره وآثَر موافقته وإلا لم يكن صادقا في حبه، وكان مدعيا، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم مَن تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عُسره ويسره، ومنشطه ومكرهه.
وشاهد هذا قول الحق سبحانه وتعالى فى سورة آل عمران ” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم” وإن وفاء الإنسان لوطنه ومجتمعه مما فطرت عليه النفوس السليمة، وتعاهد عليه أصحاب الأخلاق الكريمة، والأوفياء لمجتمعاتهم يرعون عهدها، ويحفظون أمنها، ويصونون ممتلكاتها، ويسعون لعمارتها، ويحرصون على جمع الكلمة، وطاعة ولاة الأمور، والوفاء ببيعتهم، والتعاون معهم، وبذلك يعم النفع، وتتحقق المصالح، وإن وفاء المسلم ليتجاوز أرضه ووطنه، إلى مقدسات وقضايا المسلمين في كل مكان تحقيقا لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى كله بالسهر والحمى ” رواه مسلم.
زر الذهاب إلى الأعلى