بقلم / محمـــد الدكــــرورى
إن الشريعة التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم هي عماد الحياة، وقطب الفلاح، وسبب السعادة في الدنيا والآخرة، هذه الشريعة العظيمة لا تكاد تغادر صغيرة ولا كبيرة من أمر الدنيا والآخرة إلا أحصتها تفصيلا وتوضيحا، ألا وهي قضية تنسيق الجهود وترتيب الصفوف، قضية العمل الجماعي وآدابه وضوابطه، خاصة في هذه الأوقات الحرجة التي نواجه فيها تحديات كبيرة جدا، الأعداء الذين تآخوا على حربنا لذا ينبغي علينا أن نجتمع لمواجهة كل هؤلاء، نجتمع لنواجه كل هذا الباطل ونكشف خبثه وضرره على الأمة، ونريد أن نكون سببا في نصرة هذا الدين، في رفعة شأنه، في الدفاع عنه، في الدعوة إليه، في عزّته ومجده وانتشاره، ولن يكون ذلك إلا بالاجتماع والاتحاد، لن يكون أبدا بالتنازع والفُرقة لأن تحقيق هذه الأهداف يحتاج إلى قوة.
والقوة والبركة في العمل الجماعي، وذلك كما فعل المهاجرون والأنصار في المدينة المنورة بعد هجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم إليها، فكان من بينهم الصحابي زياد بن عمرو رضى الله عنه، ويدعى ابن بشر، وكان من حلفاء الأنصار، وقد حضر بدرا مع أخيه ضمرة، وكان من بينهم الصحابي سالم بن عمير بن ثابت رضى الله عنه وهو من الأنصار وقد حضر بيعة العقبة، وشهد بدرا وأحدا والخندق وسائر الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سالم من الصحابة الفقراء الذين جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم باكين عند غزوة تبوك، إذ كانوا يريدون الخروج لها ولكنهم لم يجدوا الرواحل، وكان من هؤلاء الصحابة السبعة الفقراء، الذين جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد الخروج لغزوة تبوك، فقالوا يا رسول الله أعطنا الراحلة.
فقال صلى الله عليه وسلم ليس عندي ما أحملكم عليه، فرجعوا وعيونهم تسيل من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون، وهكذا نزلت فيهم الآية الكريمة فى سورة التوبة ” ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ” وقد عاش سالم بن عمير حتى عهد معاوية بن أبى سفيان، ولقد كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أسوة وقدوة وإماما يُقتدى به، وإن العبد المسلم مأمور بالاقتداء بهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم، يصلي حتى تفطرت قدماه وانتفخت وورمت فقيل له صلى الله عليه وسلم، أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” أفلا أكون عبدا شكورا ” وكان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة.
وربما صلى ثلاث عشرة ركعة، وكان صلى الله عليه وسلم، يصلي الرواتب اثنتي عشرة ركعة، وربما صلاها عشر ركعات، وكان صلى الله عليه وسلم، يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله، وكان صلى الله عليه وسلم، يطيل صلاة الليل فربما صلى بما يقرب من خمسة أجزاء في الركعة الواحدة، فكان ورده من الصلاة كل يوم وليلة أكثر من أربعين ركعة منها الفرائض سبع عشر ركعة، وكان يصوم غير رمضان ثلاثة أيام من كل شهر، ويتحرى صيام الاثنين والخميس، وكان يصوم شعبان إلا قليلا، بل كان يصومه كله، ورغب في صيام ست من شوال، وكان صلى الله عليه وسلم، يصوم حتى يقال لا يفطر، ويفطر حتى يُقال لا يصوم، وما استكمل شهرا غير رمضان إلا ما كان منه في شعبان، وكان يصوم يوم عاشوراء.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم، صوم تسع ذي الحجة، وكان يواصل الصيام اليومين والثلاثة وينهى عن الوصال، وقد بيّن أنه صلى الله عليه وسلم، ليس كأمته، فإنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه، وكان صلى الله عليه وسلم، يجد لذة العبادة والأنس والراحة وقرة العين بمناجاة الله تعالى ولهذا قال صلى الله عليه وسلم، يا بلال أرحنا بالصلاة” وقال صلى الله عليه وسلم ” وجعلت قرة عيني في الصلاة ” ومع هذه الأعمال المباركة العظيمة فقد كان صلى الله عليه وسلم، يقول ” خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملّ حتى تملوا، وأحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل” فهؤلاء هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين صحبوه ونصروه ووقفوا بجواره فى نشر الدعوة الإسلامية وساروا معه على طريق الحق.
وكان النبى صلى الله عليه وسلم، يحبهم ويفضلهم ويصلح بينهم ويمشى فى قضاء حوائجهم، فقد روي لنا عن ذلك سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه فقال ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم ” رواه البخارى، وقد أوصى النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرفق على الضعيف فقال ” ابغونى الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم” رواه أبو داود، وعن النعمان بن بشسر رضي الله عنه قَال، قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” رواه البخاري.