مقالات

قُلُوبُ الْعُقَلَاءِ، حُصُونُ الْأَسْرَارِ

بِقَلَم احمد قطب زايد
حِفْظ الأسرار وكتمانها أَمَانَةٌ عَظِيمَةٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:- (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: 34، وَقَالَ تَعَالَى (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) “سورة المؤمنون8”. وبكتمان السِّرّ يَتَمَكَّن الْإِنْسَانِ مِنْ قَضَاءِ مَصَالِحِهِ وَلَا يُواجه بِمَا يعوقه عَنْهَا، وَهُوَ عَلَّامَةٌ عَلَى الْوَقَارِ والرزانة، واكتمال الْعَقْل، فاحذرالذى يَقُولُ لَك لَا تَخَفْ سِرُّك فِي بيرمُجَرَّدَ أَنَّ تَخْتَلِفَ مَعَه يَتَحَوَّل الْبير إلَى نافُورَة فالقلوب أَوْعِيَةُ الْأَسْرَارِ وَالشِّفَاهُ أَقْفَالُهَا وَالْأَلْسُنُ مَفَاتِيحُهَا، فَلْيَحْفَظْ كُلُّ امْرِئٍ مِفْتَاحَ سِرِّهِ فإنَّ كِتْمَان السِّرِّ هُو نوعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّبر فَبَعْضُ النَّاسِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ سرٌّ فَلَا يَرْتَاح حَتَّى يُفْشِيَه فكتمانك سرَّك يُعقبك السَّلَامَة، وَإِفْشَاؤُك سرَّك يُعقبك النَّدَامَة، وَالصَّبْرِ عَلَى كِتْمَان السرِّ أَيْسَرُ مِنْ النَّدَمِ عَلَى إفشائه، قَال الشَّاعر:
إذَا الْمَرْءُ أَفْشَى سرَّه بِلِسَانِهِ وَلَامَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَهُوَ أَحْمَقُ
إذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سرِّ نفسه فصدر الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَق
يَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعاً تَعْلِيم الْأَبْنَاء أَن إفْشَاء أَسْرَار البيت مِنْ الْأُمُورِ غَيْرِ الْمُسْتَحَبَّة، وَأَنَّ مَا يَدُورُ فِي البيت امورخاصّة لَا يَجِبُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا أَحَدٌ. وَأَيْضاً كِتْمَانَ الْأَسْرَارِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ حِفْظُهَا وَعَدَم إفشائها عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إنَّ مِن أشرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ منزلةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سرَّها). عَزِيزِي الْقَارِئ: الْإِنْسَانِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ قَدْ يُضْطَرُّ إلَى الْإِفْضَاء بأسراره إلَى بَعْضٍ أَصْدِقائِه مِنْ أَجْلِ مَشُورَتِهِم، لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَيَّرَ صَاحِب السِّر، مِن وُصِفَ بِالْأَمَانَة والدِّينِ والعقلِ. وَقَدْ كَتَبْت مَقَالَتِي لِمَا لَمَسَّتْه فِي مَجَالِسِنَا الْيَوْمَ مِنْ هَتْكِ للأستار، وَنَقَل لِلْأَسْرَار وَكَأَنَّه لَا همّ لَنَا وَلَا شُغْلَ إلَّا أَخْبَارِ النَّاسِ فَلَا تَكَادُ تَجِدُ أمينًا حافظًا لِلْأَسْرَار مستأمناً عليهاوكم خَرِبَتْ مِنْ بُيُوتِ ومُزقت مِن أُسَر، بَل وَكَم نَشَأَتْ مِنْ حُرُوبٌ بِسَبَب نَقَل الْأَسْرَار وَعَدَم الْحُفَّاظ عَلَيْهَا فَلَا تمكّن أحداً مِن أسرارك، ولاتبوح بِسِرِّك لِعَزِيز فَلِكُلّ عَزِيزٌ عَزِيزٌ وَاسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجَكُم بِالْكِتْمَان. اللَّهُمَّ إنِّي بَلَّغْتُ، اللَّهُمّ فَأَشْهَد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock