دين ودنيا

الدكروري يكتب عن أسباب الضلال في الدين والدنيا

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الإسراف هو سبب من أسباب الضلال في الدين والدنيا، وعدم الهداية لمصالح المعاش والمعاد ، وإن الناظر في أحوال كثير من الناس اليوم يرى ويشهد غياب هذه الخصلة عن جوانب عديدة من حياة الناس، فكم هم الذين تورطوا في الإسراف والتبذير في جميع الشؤون والأمور، إسراف في المآكل والمشارب، إسراف في الملابس والمراكب، إسراف في الشهوات والملذات، وإن من معالم التبذير في حياة الناس اليوم هو الإسراف في المراكب والملابس والمساكن، فتجد أقواما تحملوا الديون العظيمة، وأرهقوا ذممهم وشغلوها ليحصل أحدهم على السيارة أو الثوب ذات المركات العاليه المعروفة أو المسكن الفاخر والبيت الفاره، وتكاثر وتفاخر، وهذا كله سفه في العقل وضلال في الدين، وإن من الإسراف المذموم ما يفعله كثير من حدثاء الأسنان أو سفهاء الأحلام.

من إضاعة الأوقات وتبديدها في الملاهي والملذات والشهوات، فتجد الواحد من هؤلاء يصرف عمره وخاصة نشاطه وفكره ووقته في لهو ولعب وسهر وتسلية، لا في عمل دنيا ينتفع به، ولا في عمل آخرة ينجو به، وغفلة وطيش، وضلال وزيغ، ضياع لمصالح المعاش، وذهاب لمصالح المعاد، وقد نهى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عن الإسراف في الأمر كله، فنهى عن الإسراف في المآكل والمشارب والألبسة، بل ونهى عن الإسراف في الصدقات، فقال صلى الله عليه وسلم، في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ” كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا من غير سرف ولا مخيلة” رواه أحمد، وقد نهى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في الوضوء، فقد قال صلى الله عليه وسلم، توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال “هكذا الوضوء، فمن زاد عن هذا فقد أساء وتعدى وظلم” رواه النسائى وابن ماجه.

ولنحذر من كفران نعمة الطعام والتبذير فيه، ولنقتصد في أفراحنا وولائمنا، ولنتفكر في أحوال من حولنا، ممن مسهم الجوع والظمأ، وهم في ما هم فيه من، حتى أصبحوا لا يتمنون فائض أطعمتنا ولا باردها، ولا ما يسقط على سفرنا أثناء أكلنا، بل أصبحوا يتمنون، ما نقدمه نحن للبهائم من خبز مكث بالأسابيع، وما نقدمه للطيور من حب و أرز بائت، قد تراكم مع طول الأيام، حتى عافت النفس رؤيته ومنظره، وأصبح الجوع منهم لا يرحم، وألمه لا يسكن، حتى أكلوا القطط والكلاب والأعشاب، وحتى بكت عجائزهم من ألم الجوع، وهلك أطفالهم بين أيديهم وهم ينظرون، وما نراه اليوم في مناسباتنا من تجاوز الحد في الإنفاق والبذخ، والكبر والتفاخر بالموائد والأطعمة، والمغالاة في صالات الأفراح والنوادي المستأجرة، والمسارح والفرق والمغنيين والعازفين.

والتنافس في إهدار وذبح للذبائح فوق الحاجة، يوضح مدى ما يعانيه المجتمع، من غفلة عن المنهج الرباني، الذي أمر بالتوسط وعدم الإسراف، وكما في قوله سبحانه في سورة الأعراف ” وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين” وحتى لا تسلب هذه النعم من بين أيدينا، ينبغي أن لا يستهان بقليل الطعام ولو كان لقمة واحدة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فلقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ما يدل على حرصه على نعم الله تعالى، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال، قال صلى الله عليه وسلم ” إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذي وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولايمسح يده بالمنديل حتي بلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة” وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، وجد تمرة فقال “لولا أن تكون صدقة لأكلتها”

وإن من أخطر صور الإسراف المنهي عنها هو إسراف المال، لذلك يسأل العبد عن جميع أعماله مرة واحدة وعن ماله مرتين، فعن أبي برزه الأسلمى رضي الله عنه أن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، عن عُمره فيما أفناه ؟ وعن علمه ماذا عمل به ؟ وعن ماله مِن أين اكتسبه، وفيما أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه ؟” رواه الترمذي، وقال الله سبحانه وتعالى في ذلك “ثم لتسألن بومئذ عن النعيم” وقال ابن القيم رحمه الله، والنعيم المسئول عنه نوعان، نوع أخذ من حله، وصرف في حقه، فيسأله عن شكره، ونوع أخذ بغير حله، وصرف في غير حقه، فيسأل عن مستخرجه ومصرفه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock