دين ودنيا

الدكروري يكتب عن عنوان الأنبياء جميعا

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الصدق هو عنوان الأنبياء جميعا، وكيف لا وهم رسل الصدق وباعثو أريجه في الناس؟ فكان الصدق والصديقية وسامهم جميعا، فيقول الله عز وجل فى نبيه الخليل إبراهيم عليه السلام كما جاء فى سورة مريم ” واذكر فى الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا ” ويقول الله عز وجل فى نبيه إسماعيل عليه السلام كما جاء فى سورة مريم ” واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا ” ويقول الله عز وجل فى نبيه إدريس عليه السلام كما جاء فى سورة مريم ” واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ” ويقول الله عز وجل فى العذراء مريم عليها السلام كما جاء فى سورة مريم” ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقه ” ويقول الله عز وجل فى نبيه الكريم يوسف عليه السلام كما جاء فى سورة يوسف ” وإنه لمن الصادقين ” فأعلى مراتب الصدق مرتبة الصديقية، وهي كمال الانقياد للرسول صلى الله عليه وسلم.

مع كمال الإخلاص للمرسل، وقد أمر الله تعالى رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأله بأن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق، فقال تعالى كما جاء فى سورة الإسراء “وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا ” وأخبر الله تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه سأله أن يهب له لسان صدق في الآخرين، فقال تعالى كما جاء فى سورة الشعراء ” واجعل لى لسان صدق فى الآخرين ” وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق، ومقعد صدق، فقال تعالى كما جاء فى سورة يونس ” وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ” وقال سبحانه وتعالى فى سورة القمر ” إن المتقين فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر” فهذه خمسة أشياء وهى مدخل الصدق، ومخرج الصدق، ولسان الصدق، وقدم الصدق، ومقعد الصدق، وإن حقيقة الصدق في هذه الأشياء هو الحق الثابت المتصل بالله تعالى.

الموصل إلى الله عز وجل، وهو ما كان به وله من الأقوال والأعمال، وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة، فمدخل الصدق ومخرج الصدق أن يكون دخوله وخروجه حقا ثابتا بالله وفي رضاه، وأما لسان الصدق فهو الثناء الحسن عليه من سائر الأمم بالصدق، وأما قدم الصدق فهو الجنة، وحقيقة القدم هو ما قدموه، وما يقدمون عليه يوم القيامة، وهم قدموا الأعمال والإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ويقدمون على الجنة التي هي جزاء ذلك، وأما مقعد الصدق فهو الجنة عند الرب تبارك وتعالى، وإن الصدق لا يزال يترقى بصاحبه حتى يرفع منازله في الدنيا ثم في الآخرة بأن يلبسه أعظم تاج وأحسنه بأن يكتب عند الله صديقا, إنها بشرى للصادق بأن يحدد موقعه من الآن، ويحجز مكانه مع الصديقين، في مقعد الصدق، وإن للصدق علامات، ومن علامات الصدق طمأنينة القلب إليه، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك, فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة” رواه الترمذي.

فالصادق مطمئن الخاطر, مرتاح البال, هادئ المشاعر, هانئ العيش، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قال “إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا” متفق عليه، وإن هنالك أمورا تدفع بالمسلم إلى الصدق والسير في ركابه، والمخالطة لأهله، أولها هو العقل، فإن صاحب العقل يعلم روعة الصدق وطمأنينته، وأنه موجب لاحترامه، باعث لمحبته، رافع لمنزلته، وأن الكذب خلق قبيح لا يرتضيه العقلاء، ولا ينخدع به النبلاء, وأنه مهما طال حبله فسوف يقطع يوما ما، وثانيا هو الشرع، حيث تظاهرت الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة في الأمر بالصدق والنهي عن الكذب، وقد أعد الله تعالى أعظم الثواب للصادقين.

ومقت الكذب والكاذبين، وأعد لهم عذابا أليما، وثالثا هى المروءة، فمن لديه مروءة فإنها لا تسمح له بالكذب بأي حال من الأحوال، ورابعا هو الفوز بالثناء الحسن في الدنيا، وبالنجاة يوم القيامة، يوم ينفع الصادقين صدقهم، ويكونون ممن أنعم عليهم ربهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وخامسا هو الظفر بمحبة الناس، فإن الأمم لا تنال محبتها بالشعارات البراقة، والدعايات الزائفة, بل بصدق اللسان, وصدق التوجه, وصفاء السيرة, وروعة المنهاج، وسادسا هو النصر والرفعة والتمكين، فإن الصادق لا يخذله ربه أبدا، أما الكاذب فمهما جنى من كذبه، وترقى بباطله، وتكسب من بهتانه، فمصيره الخذلان، وعاقبته الخسران، وسابعا هو راحة البال، وطمأنينة الخاطر، وهدوء النفس، وانشراح الصدر، فتلك سمات لا يجنيها إلا الصادقون.

وإن من منازل إياك نعبد وإياك نستعين هى منزلة الصدق، وهو منزل القوم الأعظم الذي منه تنشأ المنازل كلها، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، به تميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وأهل الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله تعالى في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه، من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، هو روح الأعمال ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، وهو الباب الذي يدخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية على النبوة التي هي أرفع درجات العالمين، ومن مساكن النبيين تجري العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين، كما كان من قلوبهم إلى قلوبهم في هذه الدار مدد متصل ومعين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock