دين ودنيا

الدكروري يكتب عن مؤاثرة الحياة الدنيا

بقلم/ محمـــد الدكـــروري

إن من العجب أن يؤثر أقوام الحياة الدنيا على الآخرة، ولا يعلمون أن الآخرة خير وأبقى فيؤثرونها على الآخرة، فيعملون لها ويدعون عمل الآخرة، ويحرصون على تحصيل الدنيا، وإن ضيعوا ما أوجب الله عليهم وينغمسون في شهواتهم وسهواتهم وينسون شكر من أنعم بها عليهم، وإن علامة هؤلاء أنهم يتكاسلون عن الصلوات، ويتثاقلون ذكر الله ويخونون في الأمانات، ويغشون في المعاملات، ويكذبون في المقالات، ولا يوفون بالعهود، ولا يبرون الوالدين، ولا يصلون الأقارب، وإن من آثر الحياة الآخرة على الدنيا حصل له نعيم الآخرة والدنيا، لأن عمل الآخرة يسير على من يسره الله عليه ولا يفوت من الدنيا شيئا فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأما من آثر الحياة الدنيا على الآخرة فإنه قد يؤتى من الدنيا ولكن ليس له في الآخرة من نصيب، وإن الإنسان يُسأل عن عمره بصفة عامة، وعن شبابه بصفة خاصة، مع أن الشباب جزء من العُمر.

لكنه خُص بالمسألة والذكر لأنه ربيع العمر، وقمة النشاط والحيوية والعطاء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بادروا بالأعمال سبعا، هل تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدجال؟ فشر غائب ينتظر، أو الساعةَ؟ فالساعة أدهى وأمر” وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال “دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير فجلست، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظا في ناحية الغرفة.

وإذا أفيق معلق، قال فابتدرت عيناي، قال صلى الله عليه وسلم “ما يبكيك يا ابن الخطاب؟” قلت يا نبي الله وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته وهذه خزانتك؟ فقال “يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا” قلت بلى” رواه مسلم، وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه “لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلا يملأ به بطنه” رواه مسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير” رواه الترمذى، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت لابن أختها عروة بن الزبير، حال بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فتقول.

“والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال قلت يا خالة فما كان يُعيشكم؟ قالت الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه” رواه مسلم، وتدخل امرأة وابنتاها بيت النبي صلى الله عليه وسلم يشكون الجوع فماذا وجدوا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها “دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئا غير تمرة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته، فقال “من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترا من النار” رواه البخارى.

وفي صحيح البخاري أيضا “أنه يطرق ضيف باب بيته صلى الله عليه وسلم فلا يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يضيفه به، فيرسل إلى بيوته يسأل نساءه، فلا يجد عندهن سوى الماء، فلم يجد صلى الله عليه وسلم بدا من الطلب من أصحابه أن يضيفوه” ومع ذلك كله فقد كان يدعو الله قائلا “اللهم ارزق آل محمد قوتا” وقال ابن حجر أن فيه دليل على فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا، والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفر نعيم الآخرة، وإيثارا لما يبقى على ما يفنى، فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك، وقال القرطبي أن معنى الحديث أنه طلب الكفاف، فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعا” وقد يقول قائل أين حالنا مما ذكرت وهل تريد منا أن نسكن الطين ونزهد في الدنيا؟ والجواب كلا، ولكن مالا يدرك كله لا يترك جله، فليكن ما سمعنا من حال نبينا صلى الله عليه وسلم داعيا لنا.

لاستخدام الدنيا فيما يرضي الرب من طاعته وبذلها في وجوهها المشروعة، هذا لمن فتح الله عليه أبواب الرزق، وأما من قدر عليه رزقه فلا يلهث في الدنيا طلبا لحطامها وليحمد الله على ما قدر فلعله لو رزق لطغى، وليستغن بالتوكل على الله، ولا يسلك طرق الحرام لنيل الدنيا، فرزق الله لا يجلبه حرص حريص، ولا يطلب بمعصية الله، ومن أسباب السعاده فى الدنيا هو ذكر الله تعالى، فإنه تطيب الحياة بذكر الله تعالى، ويطمئن القلب، ويزول القلق والاضطراب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock