علاء حمدي
لقد سطر التاريخ أكبر قضية ظلم حدثت على وجه الأرض ألا وهى القضية الفلسطينية. هذه القضية فرغت من محتواها كقضية إنسانية، حيث انتصر فيها الظلم على العدل، وانقلب الحق إلى باطل؛ بل ووجد الباطل من يدافع عنها بهتانا وزورا. لقد تمت إزاحة القضية عن العقل بانزياح لغوى أثر فى التلقى والفعل, حيث كنا نستخدم مع الهجمة الأولى المؤسسة للكيان الصهيونى المحتل مصطلح: القضية الفلسطينية.
نتحدث به لأعوام طويلة إلى أن خفت حدة القضية؛ فخفف البوق الإعلامى المصطلح وصار يسميه الصراع العربى الإسرائيلي، لقد حدث التغيير بسلاسة غيرت ما بداخلنا دون أن نشعر . فرق كبير بين مفهوم قضية ومفهوم صراع.
ففى مفهوم القضية هناك خصمان بغى أحدهما على الآخر. أما فى الصراع فالأطراف متساوية فى الحق، وينصب الخلاف على نصيب كل طرف مما هو متنازع عليه. ثم تطورت مصطلحات القضية بانزياح لغوى آخر لتصبح القضية الأراضى المتنازع عليها. فرضت فكرة المخيمات؛ لنصل إلى قبول القضية برمتها والتحول من الكل إلى الجزء؛ إذ لم تعد القضية قضية فلسطين بل قضية القدس وفرضها كعاصمة للكيان المغتصب لنترك الكل ونتنازع على الجزء .
وبعد إعلان ترامب القدس عاصمة للكيان المغتصب كتتويج لنهاية حكمه لم نثر أو نهتز كشعوب عربية؛ ذلك لأن الغرب تأكد وقتها أن القضية قد ضاعت. لقد صرنا بهذا التلاعب اللغوى نزود بحمولات نفسية تليق بتخفيف القضية بل وقبولها دون أن نشعر. فهل ماتت قضية فلسطين؟! سؤال دار فى مخيلتى وأنا أعد ورقتى البحثية التى كانت بعنوان: صورة القدس فى الشعر المعاصر دراسة فى جماليات المكان للمشاركة فى مؤتمر جامعة الزيتونة الأردنية بالاشتراك مع مركز دراسات القدس الذى حمل عنوان: صورة القدس فى الشعر العربى الحديث.
وقد خرجت بنتيجة آلمتنى رغم جدة الأبحاث التى قدمت. لقد تم تحويلنا إلى كائنات أليفة تقبل الباطل كأمر واقع كظاهرة لشىء موجود بالفعل اسمه الكيان المغتصب فصرنا ندور فى دوائر مفرغة من معناها الحقيقي. وتم التعتيم على القضية بموت الأجيال الأولى صاحبة الأقلام الحرة، وإلهاء الأجيال الجديدة بغسل أدمغتهم بمصطلحات ومفاهيم مغلوطة منزاحة عن معناها وطمس هويتهم كما تنبأت جولدا مائير عندما سألوها كيف ستواجهين المستقبل؟! فأجابت: بأن الأجيال الحالية ستموت وستأتى أجيال أخرى تقبل بالأمر الواقع.
فلأجل العدل يجب ألا نكف عن المطالبة بالحق ولو بالشعر. وعلينا البعد عن الانزياحات اللغوية وإعادة تسمية الأشياء بأسمائها. لقد ماتت القضية وبقى الشعر الذى كان أحد من المدية وأنفذ من الرصاصة. لأن المكان الذى ينجذب نحوه الخيال لا يمكن أن يبقى مكانا لا مباليا، ذا أبعاد هندسية وحسب، فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي، بل بكل ما فى الخيال من تحيز. لأنه يكثف الوجود فى حدود تتسم بالحماية. ومكان الكراهية والصراع لا يمكن دراسته إلا فى سياق الموضوعات الملتهبة فحين نمتلئ بالحنين نتعلم كيف نسكن أنفسنا لنحرر أرضنا على حد قول ليسكور. وإنها مهمة الفعل الإبداعى الذى يستهون به الجميع. لقد اغتصبت فلسطين بكلمة ظلم وستحرر بكلمة حق.