بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد ذكر النبى الكريم صلي الله عليه وسلم دعاء سيد الاستغفار وبيّن فضله فقال سيد الاستغفار أن تقول ” اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتنى وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك على، وأبوء لك بذنبى فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت” ولقد جعلت الشريعة الإسلامية لمغفرة الذنوب أسباب، ومنها هو التوبة إلى الله من الذنوب والمعاصي، وكذلك الحرص على الاستغفار والمداومة عليه، والأعمال الصالحة التي تكسب المسلم حسنات تمحى بها ذنوبه، ومن تلك الأعمال الصالحة الصلوات الخمس، والصيام، وقيام ليلة القدر، والصدقة، والحج والعمرة وغير ذلك الكثير من الأعمال الصالحة، وكذلك الدعاء للميت والصلاة عليه، وما يعمل من أعمال البر كالتصدق عنه بعد وفاته، وأيضا شفاعة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته يوم القيامة.
وأيضا المصائب التي تحل بالمسلم فتغفر ذنوبه وتكفر خطاياه، ويقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه” فهذا هو رحمة الله وعفوه، فقد يغفر الله لعباده الذنوب بلا سبب، وإن من فضائل الاستغفار وثماره هو حلول البركة في الأرزاق ونمائها، وتفريج الهموم والكروب، وتحول الأحوال من الضيق إلى السعة، وهو سبب لنزول الغيث، ونماء الزرع، والزيادة في المال والولد، وكما هو شروط التوبة الصادقة من الذنوب فإن للتوبة الصادقة الصحيحة من الذنوب ثلاثة شروط أولها الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، مع عقد العزم على عدم العودة إلى الذنب مستقبلا، فإذا تحققت تلك الشروط كانت التوبة توبة نصوحا، وقال القرظي عن التوبة النصوح أنه يجمعها أربعة أشياء، وهو استغفار باللسان، وإقلاع عن الذنب بالأبدان.
وإضمار عدم العود إلى الذنب بالجنان، وهجرة سيء الإخوان، وإن هذا لتقرير شامل وبيان واضح أن الله تبارك وتعالى يغفر للذين اقترفوا الإثم وارتكبوا الخطايا واحتملوا الأوزار، ثم تذكروا أنهم ما قدروا الله حق قدره، وأنهم تجاوزوا حدود الله، وانتهكوا حرماته، وتحسروا على ما فرطوا في جنب الله، فمسهم الألم، وعلاهم الخجل، وحذاهم الأمل، فهرعوا إلى التوبة، وسارعوا إلى الإنابة، ولزموا الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار، وتشبثوا بحسن الظن وحسن الرجاء، وفروا إلى الله، فروا من معصيته إلى طاعته، ومن غضبه وسخطه إلى رضاه وطاعته، ومن عذابه إلى رحمته ومغفرته، ومن عدله إلى عفوه، ومن بطشه ونقمته إلى لطفه وسعته، أفلا نركب قطار هؤلاء الفارين إلى الله تعالى؟ فسبحانك اللهم لا مفر منك إلا إليك، وسبحانك اللهم لا منجى منك ولا ملجأ إلا إليك، فاللهم إنك أنت القائل وقولك الحق كما جاء فى سورة الأنعام.
” وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير” وأنت القائل كذلك كما جاء فى سورة فاطر “ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم” وإن من آفاق رحمة الله الواسعة هى فى قوله سبحانه وتعالى ” ورحمتى وسعت كل شئ ” فيسمع الإنسان هذا المفهوم فيسعى للرحمة وينشر أنوارها بين الخلق، وبينما هو كذلك إذ يستجلب الرحمة من الله لتمده رحمة الله برحمة خلقه، فيستجلبها بطاعة الله ورسوله، بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرحمة بالعباد، وإحسان معاملة الخدم وصلة الأرحام، ثم يقسو أحيانا على من يرحم ليكون حزما في رحمة مسداة، فيكون ممن شملهم قول الله تعالى ” ورحمتى وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون” فالناس في حاجة إلى كنف رحيم.
ورعاية حانية، وبشاشة سمحة، وهم بحاجة إلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم، ولا ينفر من ضعفهم، وفي حاجة إلى قلب كبير يمنحهم ويعطيهم، ولا يتطلع إلى ما في أيديهم، يحمل همومهم ولا يثقلهم بهمومه، وإن تبلد الحس يهوي بالإنسان إلى منزلة بهيمية أو أحط، والإنسان بغير قلب رحيم أشبه بالآلة الصماء، وهو بغير روح ودود أشبه بالحجر الصلد، وإن الإنسان لا يتميز في إنسانيته إلا بقلبه وروحه، لا في أكوام لحمه وعظامه، فبالروح والقلب يحس ويشعر وينفعل ويتأثر، ويرحم ويتألم.
زر الذهاب إلى الأعلى