بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الله عز وجل أودع في قلوب الأبوين من الرحمة للولد، حتى في البهائم، وهذا ليس بمستغرب إنما الذي يستغرب أن يفرط زمام هذه المحبة لدى الوالدين حتى يعود بالضرر على الولد، ولقد تفاقم الوضع وتعاظم الأمر وتطاير الشرر عندما تخلى الآباء عن مسؤولية التربية الصحيحة وأهملوا الإلمام بأسس العناية السليمة فليست التربية عنف كلها ولا رخو جلها بل شدة فى غير عنف ولين فى غير ضعف هكذا هي التربية، أما أن يعتقد أب أو تظن أم أن التربية تكبيل بالسلاسل وضرب بالحديد والمناشير وسجن في غرفة مظلمة مدلهمة، فيخرج لنا جيل تسيل دماؤه، وتنتفخ أوداجه يخاف من خياله ويهرب من ظله ويغضب ويثور لأتفه الأسباب، فيكن العداء لأمته، والبغضاء لوطنه، فليس ذلك بمطلوب ولا مرغوب، ألا فاعلموا أيها الناس أن شريعة الإسلام لم تأتي بمثل هذا العنف والجبروت والهجية والعنجهية.
ولعل قدوتنا في ذلك هم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فمن يطلع على سيرهم يشعر بعظمة أخلاقهم، وهيبة مواقفهم، وحسن صنيعهم، حتى في هذه المرحلة التي تعد من أصعب المراحل التي يمر بها الإنسان أخلاقيا وعضويا وتربويا أيضا، فبحكم صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم خير قائد وخير قدوة وخير مرب، واحتكامهم إلى المنهج الإسلامي القويم الذي يوجه الإنسان للصواب دوما ويعني بجميع الأمور التي تخصه وتوجه غرائزه توجيها سليما تخرج منهم خير الخلق بعد الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، فكان منهم من حفظ القرآن الكريم، عن ظهر قلب في أولى سنوات العمر، وكان منهم الذين نبغوا في علوم القرآن والسنة والفقه والكثير من العلوم الإنسانية الأخرى، وكان منهم الدعاة الذين فتحوا القلوب وأسروا العقول كالصحابى الجليل مصعب بن عمير الذي انتدبه رسول الله صلى الله عليه وسلم داعية إلى المدينة.
ولم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وكان منهم الفتيان الذين قادوا الجيوش وخاضوا المعارك وهم بين يدي سن الحلم، كالصحابى الجليل أسامة بن زيد رضي الله عنهم جميعا وما ذاك إلا لترعرعهم تحت ظل الإسلام وتخرجهم من المدرسة المحمدية الجليلة، ولتحقيق واجبات النمو التي حددها العلماء، وحاجات المراهق في هذه المرحلة، على الأهل تهيئة ابنهم المراهق لدخول هذه المرحلة، وتجاوزها دون مشاكل، ويمكن أن يتم ذلك بخطوات كثيرة، منها إعلام المراهق أنه ينتقل من مرحلة إلى أخرى، فهو يخرج من مرحلة الطفولة إلى مرحلة جديدة، تعني أنه كبر وأصبح مسؤولا عن تصرفاته، وأنها تسمى مرحلة التكليف، لأن الإنسان يصبح محاسبا من قبل الله تعالى عز وجل لأنه وصل إلى النضج العقلي والنفسي الذي يجعله قادرا على تحمل نتيجة أفعاله واختياراته، وأنه مثلما زادت مسؤولياته فقد زادت حقوقه.
وأصبح عضوا كاملا في الأسرة يشارك في القرارات، ويؤخذ رأيه، وتوكل له مهام يؤديها للثقة فيه وفي قدراته، وأن هناك تغيرات جسدية، وعاطفية، وعقلية، واجتماعية تحدث في نفسيته وفي بنائه، وأن ذلك نتيجة لثورة تحدث داخله استعدادا، أو إعدادا لهذا التغير في مهمته الحياتية، فهو لم يعد طفلا يلعب ويلهو، بل أصبح له دور في الحياة، لذا فإن إحساسه العاطفي نحو الجنس الآخر أو شعوره بالرغبة يجب أن يوظف لأداء هذا الدور، فالمشاعر العاطفية والجنسية ليست شيئا وضيعا أو مستقذرا لأن له دورا هاما في إعمار الأرض وتحقيق مراد الله في خلافة الإنسان، ولذا فهي مشاعر سامية إذا أحسن توظيفها في هذا الاتجاه، لذا يجب أن يعظم الإنسان منها ويوجهها الاتجاه الصحيح لسمو الغاية التي وضعها الله عز وجل في الإنسان من أجلها، لذا فنحن عندما نقول إن هذه العواطف والمشاعر لها طريقها الشرعي من خلال الزواج.
فنحن نحدد الجهة الصحيحة لتفريغها وتوجيهها، وأن يعلم المراهق الأحكام الشرعية الخاصة بالصيام والصلاة والطهارة والاغتسال، ويكون ذلك مدخلا لإعطائه الفرصة للتساؤل حول أي شيء يدور حول هذه المسألة، حتى لا يضطر لأن يستقي معلوماته من جهات خارجية يمكن أن تضره أو ترشده إلى خطأ أو حرام، وكذلك التفهم الكامل لما يعاني منه المراهق من قلق وعصبية وتمرد، وامتصاص غضبه لأن هذه المرحلة هي مرحلة الإحساس المرهف، مما يجعل المراهق شخصا سهل الاستثارة والغضب، ولذلك على الأهل بث الأمان والاطمئنان في نفس ابنهم، وقد يكون من المفيد القول مثلا “أنا أعرف أن إخوتك يسببون بعض المضايقات، وأنا نفسي أحس بالإزعاج، لكن على ما يبدو أن هناك أمرا آخر يكدرك ويغضبك، فهل ترغب بالحديث عنه؟” لأن ذلك يشجع المراهق على الحديث عما يدور في نفسه، وأيضا إشاعة روح الشورى في الأسرة لأن تطبيقها يجعل المراهق يدرك أن هناك رأيا ورأيا آخر معتبرا لا بد أن يحترم.
زر الذهاب إلى الأعلى