بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن مذهب جمهور أهل العلم أن حد السرقة لا يقام إلا إذا سُرق المسروق من حرز، ولم يشترط الظاهرية ذلك، والحرز هو ما نصب عادة لحفظ أموال الناس، كالدور، والخيم، والفسطاط، التي يسكنها الناس، ويحفظون أمتعتهم بها، وقد يكون الحرز بالحافظ الذي يجلس ليحفظ متاعه، وهو يختلف في كل شي بحسب حاله، وقال ابن المنذر “ليس في هذا الباب خبر ثابت لا مقال فيه لأهل العلم، وإنما ذلك كالإجماع من أهل العلم” وقال ابن العربي “والأمّة متفقة على اعتبار الحرز في القطع في السرقة لاقتضاء لفظها، ولم أعلم من ترك اعتباره من العلماء، ولا تحصّل لي من يهمله من الفقهاء” واختلف الجمهور فيما يكون حرزا، وما لا يكون وبتفصيل ذلك في كتب الفقه، وقد اختلف أهل العلم في النبّاش الذي ينبش القبور ليأخذ ما فيها من أموال أو مجوهرات، فقال مالك والشافعي هو سارق يجب عليه القطع لوجود معنى السرقة، وهو أخذ المال خفية من حرز له في العرف والعادة.
وقال أبو حنيفة ليس بسارق، فلا قطع عليه لأنه أخذ المال من غير حرز لأنه في موضع ليس فيه ساكن، وإنما تكون السرقة حيث تتقى الأعين، ويُحفظ من الناس، ولقد نزل حد الله تعالى في السارق بقطع يده، ولم يتوانى النبي صلي الله عليه وسلم في قطع الأيدي في السرقة إذا ثبت الحد واستوفيت الشروط، وقد كانت قصة المرأة المخزومية قصة عظيمة فيها عبر وأحكام، رواها الأئمة في كتبهم، وهذه رواية مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها “أن قريشا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلي الله عليه وسلم وكانت هذه المرأة تأخذ الأمانات، وتستعير ثم تجحدها، تستعير الأشياء ثم تجحدها، تقول ما أخذت منكم شيئا، ولا استعرت منكم شيئا، ولا لكم عندي شيء ” في غزوة الفتح، فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ وبنو مخزوم من سادات قريش، وبنو مخزوم من عيون العرب، وبنو مخزوم قبيلة في غاية الاحترام، سرقت منهم امرأة.
ألقي القبض عليها، اهتمت قريش كلها في شأن المرأة المخزومية، من ساداتهم من عيونهم، قالوا “من يكلم فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟” فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلي الله عليه وسلم، انتقوا أحب الناس إلى النبي صلي الله عليه وسلم فأتي بها رسول الله فكلمه فليها أسامة بن زيد” يستشفع، شفاعة “فتلون وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم تلون غضبا على أسامة بن زيد، فقال أتشفع في حد من حدود الله؟ وهو إذا الحد ثبت، جيء به إلى الحاكم، أتشفع في حد من حدود الله؟ فقال له أسامة أي نادما ” استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي قام رسول الله صلي الله عليه وسلم فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد هذا الذي أهلك الذين من قبلهم، وهو الذي سيُهلك الذين يتعاطون هذا،
وإني والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، وفي رواية “أن المرأة استعاذت بأم سلمة” لجأت مستعيذة بأم سلمة، فقال صلي الله عليه وسلم لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها “ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها” ولا بد من تنفيذ الحكم، قطعت يدها، ولكن هذه المرأة كما جاء في صحيح البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها “حسنت توبتها، وتزوجت” يعني يوجد مكان للتائب في المجتمع الإسلامي، وتزوجت فكان هناك من يتزوجها، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها “حسنت توبتها، وتزوجت” يعني يوجد مكان للتائب في المجتمع الإسلامي، وتزوجت فكان هناك من يتزوجها، وكانت تأتي بعد ذلك إلي، تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، فلا بد من إقامة الحد إذا وصل إلى الحاكم، يتعافى الناس الحدود بينهم، ويسامح بعضهم بعضا، ويتنازل بعضهم لبعض قبل أن تصل إلى القضية.
قبل أن تصل إلى الشرع، لكن إذا وصلت إلى الشرع حد السرقة لا بد من تنفيذه ولذلك جاء في سنن النسائي عن صفوان بن أمية “أنه طاف بالبيت وصلى، ثم لف رداءا له من برد، فوضعه تحت رأسه، فنام فأتاه لص فاستله من تحت رأسه، فأخذه، فأتى به النبي صلي الله عليه وسلم فقال إن هذا سرق ردائي، قبض عليه وجاء به، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم أسرقت رداء هذا؟ قال نعم، قال اذهبا به، فاقطعا يده، قال صفوان ما كنت أريد أن تقطع يده في ردائي، فقال له فلو ما قبل هذا” وفي قصة عند أحمد “أن النبي صلي الله عليه وسلم أتاه رجل بشخص، فقال هذا سرق خميصة لي، فأمر بقطعه، فقلت يا رسول الله، فإني قد وهبتها له، قال فهلا قبل أن تأتيني به” فإذا جاء ووصل الأمر إلى القاضي لا تقبل الشفاعات، ولا الواسطات، الشفاعة في الحدود جريمة عظيمة، ولكن الذين إذا أسقطوا الحد يسقط في الشرع كأولياء القتيل إذا سامحوا في حقهم سقط، أما السرقة إذا وصلت إلى الحاكم لا تقبل فيها شفاعة.
زر الذهاب إلى الأعلى