كتبت – ولاء مصطفى
صدر حديثًا عن منصة كتبنا للنشر كتاب 100 ست للكاتبة ميار فراج، كامرأة مصرية أصيلة حظيت بالزواج والأمومة، أصبحت آخر اهتماتها صحتها، الشيء الأخير الذي تؤجله لأجل غير مسمى، الأولاد أهم، العمل أهم، راحة زوجها أهم، مهام بيتها أهم، تعتاد وجود عافيتها، ولا تدرك عوامل التعرية التي تتعرض لها، ولا تحاول الاطمئنان عليها بين الحين والآخر، كأن معها ضمانًا مدة الحياة.
كانت تشعر بالألم منذ فترة ليست بقليلة، لكنها دأبت على طمأنة نفسها أن الأمر هين، كانت تشخص ذلك التكور في ثدييها بمشكلة في الغدد، مجرد التهاب قد يحتاج إلى مضاد حيوية، وحفنة من المسكنات ستفي بالغرض، ليس بالأمر الذي عليها الالتفات إليه وسط دوامة الحياة التي تستقبلها من الخامسة مساءً حتى تعود للبيت في المساء منهكة وخائرة القوى.
خرجت من مركز الأشعة وهي تفكر، من الذي يجب أن يتلقى صدمة الخبر بعدها وهي التي تتولى تهدئة الجميع، لن تتحمل فزعًا وهلعًا يصيب أحدهم، يحتاج منها الأمر لكثير من الرصانة والهدوء، شعرت وأنه لا يمكنها المجازفة بجعل أحدهم يدمر حالة الهدوء النسبي الذي تعيشه هي الآن.
تخيلي أن تصابي بالسرطان وأنت في عمر الـ 35، كيف سيستقبل زوجك ووالديك وأقاربك الخبر؟ ماذا سوف يتغير في حياتك؟ بالطبع كل شيء سوف يتغير، نظرتك للحياة، اهتماماتك، أولوياتك، وأصعب اختبار قد يواجهك هو قدرتك على التجاوز النفسي للمرض.
السرطان كان المحطة الفارقة في عمرها، والتي غيرت حياتها للأبد، وصنعت بها معانٍ كثيرة لم تدركها إلا حين أجبرت على المرور بها.
واجهت ميار صعوبة في مرحلة العلاج، خاصةً وأنها أقدمت بدون تفكير على عملية استئصال الثدي، والتي أجرتها بنجاح بالفعل.
بعد عودتها إلى المنزل، بعد 4 أيام قضتها في المستشفى، بدأت مرحلة جديدة من الابتلاء فلم تكن تستطيع تحريك ذراعها الأيمن، كما خرجت تحمل درنقتين لجروح سيئة التقطيب، ودون جراحة تجميلية، لأن الطبيب وجد صعوبة في القيام بذلك.
لم تكن تعاني من البتر فقط، بل كانت تعاني من تشوه صارخ في جسدها، أزعجها رؤيته، وتسائلت: ماذا سيكون رد فعل زوجي حين يصدمه نصفي الأيمن؟
بالإضافة لذلك لم تتمكن من الحركة بسهولة، كان عليها الجلوس على كرسي متحرك للخروج من المستشفى، وحملها المحيطون حتى تصعد إلى منزلها.
كانت تعمل كمدرس مساعد في إحدى الجامعات الخاصة، وتستعد لمناقشة رسالة الدكتوراه التي طالما حلمت بها، بالإضافة لكونها زوجة وأم لطفلين والأكبر عمرًا بين شقيقاتها، تطلب الأمر منها شجاعة وثقة فى الله وصبر، وأيقنت أنه بالفعل اختبار، وقد اختارت ان تحارب وتهزم المرض وتكمل مسيرتها وتحقق حلمها بأن تحصل على الدكتوراه.
الإصابة بسرطان الثدي من أصعب المواقف التي يمكن أن تواجه المرأة في حياتها، إلا أن ميار نظرت للنور الذى بداخلها، فقد رأت السرطان بمثابة الاختبار وأنه منحة من الله عز وجل، وأنه كان سببًا للهداية ومعرفتها بذاتها وطريقها.
هكذا صارت حياة ميار في محطات مختلفة مليئة بالصعوبات والأمل، تحلت فيها بالصبر والقوة، ومضت قدمًا في طريقها لتحقيق الذات.
زر الذهاب إلى الأعلى