دين ودنيا

الدكروري يكتب عن ما يجب إجتنابة في الأيام العشر

بقلم / محمـــد الدكـــروري
أما عن ما يجتنبه في العشر من أراد الأضحية، فإنه عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي” وفي رواية ” فلا يمسّ من شعره وبشرته شيئا ” رواه مسلم، والحديث دليل على أنه إذا دخلت العشر وأراد الإنسان أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئا إلى أن يذبح أضحيته، فإن كان له أكثر من أضحية جاز له الأخذ بعد ذبح الأولى، ويعني ذلك إذا كنت تريد أن تضحي ودخلت عليك أول ليلة من ليالي العشر من ذي الحجة، فلا تأخذ من شعرك، ولا من أظفارك أي شيء، طيلة هذه العشر إلى أن تنحر، ولكن هل هذا النهي عن الأخذ على التحريم أم هو على الكراهة؟ وهو أنه قد ذهب أكثر العلماء إلى أنه على الكراهة، وليس على التحريم، فقالوا في معارض التعليل لكونه على الكراهة.
إن الأضحية من أصلها ليست بواجبة فمتبوعاتها لا تجب، وهذا قول، وأظهر قول أهل العلم أن ذلك للتحريم، لأنه الأصل في النهي، فإن تعمّد وأخذ فعليه التوبة والاستغفار، ولا فدية عليه إجماعا، ولا يؤثر ذلك على أضحيته، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى نهيا صريحا عن الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي فكذلك فافعلوا وهذا النهي يخص صاحب الأضحية، لقوله” وأراد أن يضحي” فلا يعم الزوجة ولا الأولاد إذا أراد أن يشركهم معه في الثواب، ومن ضحى عن غيره بوصية أو وكالة فلا يحرم عليه أخذ شيء من شعره أو ظفره أو بشرته، لأن الأضحية ليست له، ومن أخذ من شعره المباح أخذه، أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشر أمسك من حين الإرادة، ومن احتاج إلى أخذ شيء من ذلك لتضرره ببقائه كانكسار ظفر أو جرح عليه شعر يتعين أخذه فلا بأس، لأن المضحي ليس بأعظم من المحرم.
الذي أبيح له الحلق إذا كان مريضا أو به أذى من رأسه، لكن المحرم عليه الفدية، والمضحي لا فدية عليه، ولا يجوز للمرأة أن توكل أحدا على أضحيتها لتأخذ من شعرها كما قد تفهمه بعض النساء لأن الحكم متعلق بالمضحي نفسه سواء وكّل غيره أم لا، وأما الوكيل فلا يتعلق به نهي، ولا حرج في غسل الرأس للرجل والمرأة أيام العشر، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الأخذ، ولأن المحرم أذن له أن يغسل رأسه، فالله تعالى يخلق ما يشاء ويختار، خلق الأزمان وجعل بعضها أعظم بركة من بعض وميّز بعضها بمزيد محبة منه سبحانه للعمل الصالح فيها ومن هذه الأوقات عشر ذي الحجة فهي عشر مباركات كثيرة الحسنات، عالية الدرجات، متنوعة الطاعات، ومما يدل على فضل هذه العشر أن الله تعالى أقسم بها فالقسم بها يدل على رفعة مكانتها وتعظيم الله لها والله سبحانه يقسم بما شاء من خلقه، ولا يجوز لنا أن نقسم إلا به وحده جل وعلا.
وإن من فضائلها أن الله تعالى أكمل لنا فيها الدين، وبكمال الدين علا التوحيد وارتفع شأن الإسلام وظهر الحق وانتصرت السنة، وانهزمت البدعة، وقد حسدنا اليهود على هذا الكمال، وإن من فضائل هذه العشر أن من كمالها أنه يجتمع فيها من العبادات ما لا يجتمع في غيرها، فتجتمع فيها الصلوات، والصدقات والصيام، والهدى والأضاحي، وفيها الحج إلى البيت الحرام، وفيها التكبير والذكر والتلبية والدعاء ومن فضائلها أن محبة الله تعالى للعمل الصالح فيها تفوق محبته سبحانه للعمل الصالح في غيرها، فقال صلى الله عليه وسلم “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام، يعني أيام العشر، قالوا يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”رواه أبي داود، ومن فضائلها أن فيها يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو يوم معروف بالفضل.
وكثرة الأجر وغفران الذنب، فقال صلى الله عليه وسلم “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة” ومن فضائلها أن فيها يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو أعظم الأيام، فقال صلى الله عليه وسلم “أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القَر” ويوم القَر هو اليوم الحادي عشر، ويوم النحر هو يوم الحج الأكبر وهو يوم العيد، وفيه الكثير من أعمال الحج، وفيه صلاة العيد، وفيه التقرب لله بذبح الأضاحي، وإن فضائل العشر كثيرة لذا ينبغي أن نغتنمها، وأن نسابق إلى الخيرات فيها، وأنه مع وجود أعمال شرعت في هذه العشر بخصوصها إلا أنه أيضا يندب فيها إلى فعل سائر الطاعات ومنها ذكر الله تعالى وتهليله وتكبيره وحمده، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد” رواه أحمد.
وكان أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما إذ دخلت عشر ذي الحجة يخرجان إلى السوق يكبران، فإذا سمعهم الناس تذكروا التكبير فكبروا، وهذا التكبير المطلق بدون تقييد بمكان أو وقت، أما التكبير المقيد بأدبار الصلوات فيوم العيد وأيام التشريق، ويبدأ غير الحاج من فجر يوم عرفة، ويكثر مع التكبير في هذه العشر من التسبيح والتهليل والتحميد وقراءة القرآن فإنه أفضل الذكر، ومما يندب فعلُه في هذه العشر الإكثار من نوافل الصلوات بعد الفرائض، كالرواتب التي قبل الفرائض وبعدها، وصلاة الليل، وصلاة الضحى، وغيرها، فالمحافظة على النوافل مع كونها تكمل النقص، فهي سبب من أسباب محبة الله، ومن شملته محبة الله حفظه وأجاب دعاءه وأعاذه ورفع مقامه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock