دين ودنيا

الدكروري يكتب عن رأس كل خير” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن هذا الدين الإسلامي قد جمع الخير كله فمن استقام عليه وحافظ عليه وأدى حقه وجاهد نفسه بذلك فهو متق لله، وهو موعود بالجنة والكرامة، وهو موعود بتفريج الكروب وتيسير الأمور، وهو الموعود بغفران الذنوب وحط الخطايا، وهو الموعود بالنصر على الأعداء والسلامة من مكائدهم إذا استقام على دين الله وصبر عليه وجاهد نفسه لله وأدى حق الله وحق عباده، فهذا هو المتقي وهو المؤمن، وهو البر، وهو المفلح، وهو المهتدي والصالح، وهو المتقي لله عز وجل، وهو المسلم الحق، وإن حقيقة التقوى هي دين الإسلام، وهي الإيمان والعمل الصالح، وهي العلم النافع والعمل به، وهي الصراط المستقيم، وهي الاستسلام لله والانقياد له جل وعلا بفعل الأوامر، وترك النواهي عن إخلاص كامل له سبحانه وعن إيمانه به ورسله، وعن إيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله صلي الله عليه وسلم، إيمانا صادقا يثمر أداء الخير والحذر من الشر والوقوف عند الحدود.

وإنما سمى الله دينه تقوى لأنه يقي من استقام عليه عذاب الله وغضبه، ويحسن لربه العاقبة عز وجل، وسمى هذا الدين إسلاما، لأن المسلم يسلم نفسه لله تعالي وينقاد لأمره، ويقال أسلم فلان لفلان أي انقاد له، ولهذا سمى الله دينه إسلاما في قوله تعالي ” إن الدين عند الله الإسلام” وغيرها من الآيات، لأن المسلم انقاد لأمر الله وذل لعظمته، فالمسلم حقا ينقاد لأمر الله، ويبتعد عن نهيه ويقف عند حدوده، قد أعطى القيادة لربه فهو عبد مأمور، رضاه وأنسه ومحبته ونعيمه في امتثال أمر الله وترك نهيه، هذا هو المسلم الحق، ولهذا قيل له مسلم، يعني منقادا لأمر الله تاركا لمحارمه واقفا عند حدوده، يعلم أنه عبد مأمور عليه الامتثال، ولهذا سمي الدين عبادة كما سمي إسلاما، سمي عبادة كما في قوله سبحانه وتعالى ” يا أيها الناس اعبدوا ربكم” وفي قوله عز وجل ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” فسمي عبادة لأن العباد يؤدون أوامر الله ويتركون نواهيه عن ذل وخضوع وانكسار.

وعن اعتراف بالعبودية وأنهم مماليك لله وأنه سيدهم، وأنه القاهر فوقهم، وأنه العالم بأحوالهم وأنه المدبر لشؤونهم، فهم عبيد مأمورون ذليلون منقادون لأمره سبحانه وتعالى، فلهذا سمى الله دينه عبادة لأن العبادة عند العرب هي التذلل والخضوع والانكسار، يقولون طريق معبد، يعني مذلل قد وطأته الأقدام، ويقولون أيضا بعير معبد، يعني قد شد ورحل حتى ذل للركوب والشد عليه، فسميت طاعاتنا لله عباده لأننا نؤديها بالذل والخضوع لله جل وعلا، وسمي العبد عبدا، لأنه ذليل بين يدي الله مقهور مربوب للذي خلقه وأوجده، وهو المتصرف فيه سبحانه وتعالى وسمي هذا الدين أيضا إيمانا لأن العباد يؤدونه عن إيمان بالله وتصديق به ورسله، فلهذا سمي دين الله إيمانا لهذا المعنى كما في الحديث الصحيح من قول النبي الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم “الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان” رواه البخاري ومسلم.

فبين عليه الصلاة والسلام أن الدين كله إيمان وأن أعلاه قول لا إله إلا الله، فعلمنا بذلك أن الدين كله عند الله إيمان، ولهذا قال سبحانه “وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار” فسماهم بذلك، لأنك أيها المؤمن بالله واليوم الآخر تؤدي أعمالك وطاعتك وتترك المحارم عن إيمان وتصديق بأن الله أمرك بذلك ونهاك عن المحارم وأنه يرضى منك هذا العمل ويثيبك عليه وأنه ربك ولم يغفل عنك وأنت تؤمن بهذا، ولهذا فعلت ما فعلت فأديت الفرائض وتركت المحارم ووقفت عند الحدود وجاهدت نفسك لله عز وجل سُمي الدين برّا لأن خصاله كلها خير، وسمى هذا الدين هدى لأن من استقام عليه فقد اهتدى إلى خير الأخلاق وإلى خير الأعمال، لأن الله بعث رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم ليكمل مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، كما في الحديث عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال “إنما بعثت لأتممم مكارم الأخلاق” وفي حديث أنيس أخي أبي ذر قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يدعو إلى مكارم الأخلاق.

فهذا الدين سمي هدى، لأنه يهدي من استقام عليه إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، كما قال عز وجل ” ولقد جاءهم من ربهم الهدي” وقال في أهله ” أولئك علي هدي من ربهم” وقال في أهله أيضا ” أولئك هم المهتدون” وإن كل من تدبر في موارد التقوى في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله الكريم محمد صلي الله عليه وسلم علم أنها سبب كل خير في الدنيا والآخرة، فإذا قرأت كتاب ربك من أوله إلى آخره، فستجد أن التقوى هي رأس كل خير، ومفتاح كل خير، وسبب كل خير في الدنيا والآخرة، وإنما تأتي المصائب والبلايا والمحن والعقوبات بسبب الإهمال أو الإخلال بالتقوى وإضاعتها، أو إضاعة جزء منها، فالتقوى هي سبب السعادة والنجاة وتفريج الكروب والعز والنصر في الدنيا والآخرة، ويقول رب العزة سبحانه وتعالي ” ومن يتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب” وقال بعض السلف هذه الآية أجمع آية في كتاب الله، أو قال من أجمع آية في كتاب الله، وما ذاك إلا لأن الله رتب عليها خير الدنيا والآخرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock