دين ودنيا

الدكروري يكتب عن موقعة عين جالوت ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

عندها بدأ العز بن عبد السلام ومن معه من علماء الأمة بصعود منابر المساجد والحث على الجهاد وترغيب الناس بالجنة وتزهيدهم في الدنيا، وتعظيم أجر الشهادة في سبيل الله، واستمر إعداد الجيش وتجهيزه وجمع المتطوعين وتدريب المجاهدين مدة خمسة أشهر، من شهر ربيع الأول من عام ستمائة وثماني وخمسين من الهجرة، الموافق شهر فبراير من عام ألف ومائتان وستين ميلادي، إلى نهاية شهر رجب الموافق شهر يوليو من السنة نفسها، وفي أثناء تجهيز الجيش قام قطز بجهود حثيثة لتمهيد طريق الجيش للقاء التتار، وكانت هناك أجزاء من فلسطين وساحل البحر الأبيض المتوسط محتلة من قبل الإمارات الصليبية، ومنها إمارات عكا وحيفا وصور وصيدا واللاذقية وأنطاكية، وكانت أقوى هذه الإمارات الصليبية هي إمارة عكا في فلسطين، وهذه الإمارة تقع على طريق قطز وجيشه إذا أراد أن يحارب التتار في فلسطين، فكان التفكير في أن قتال الصليبيين في عكا.

سيؤثر سلبا على جيش الإسلام في مصر المتوجه لفلسطين، وفي نفس الوقت لا يستطيع قطز أن يحارب التتار في فلسطين دون الانتهاء من مشكلة الصليبيين في عكا، ووجد قطز أن أفضل الحلول هو الإسراع بعقد معاهدة مع الصليبيين في عكا قبل أن يتحالف التتار معهم، فقام قطز بإرسال سفارة إلى عكا للتباحث حول إمكانية عقد معاهدة سلام مؤقتة بين المسلمين والصليبيين، وكان الهدف من السعي لهذه الاتفاقية هي تحييد جيش الصليبيين من جهه وتأمين ظهر جيش مصر من جهة أخرى، وجلس وفد قطز مع الأمراء الصليبيين للتباحث في أمر الهدنة، وكان الصليبيون يخافون ألا يظفروا من المسلمين بعهد فينقلب عليهم المسلمون، ولذلك تقبلوا فكرة الهدنة بسرعة، بل أن بعض الأمراء الصليبيين عرضوا فكرة التحالف العسكري مع المسلمين لقتال التتار، ولكن هذه الفكرة لم تلقى موافقة الطرفين، فبقية الأمراء الصليبيين يخشون الخروج من عكا بجيشهم فيدخلها المسلمون إذا انتصروا على التتار.

كما أن المسلمين كانوا يخشون خيانة الصليبيين أثناء القتال خاصة أن قائد التتار الحالي كتبغا نصراني، لذلك تم قبول الطرفان بفكرة الهدنة المؤقتة، وأصر الوفد المسلم على أن تكون هذه الهدنة هدنة مؤقتة تنتهي بانتهاء حرب التتار، ومما اتفق عليه في الهدنة أن أي خيانة يقوم بها الصليبيون فسيترك المسلمون قتال التتار ويتوجهون إلى عكا لتحريرها، وأنه في حال انتصار المسلمين في قتال التتار فسيبيع المسلمون خيول التتار من أهل عكا بأسعار زهيدة، في حين تعهد الصليبيون في عكا بأن يسهموا في إمداد جيش المسلمين بالمؤن والطعام في أثناء وجوده في فلسطين، وبالرغم من كل الاستعداد العسكري والسياسي والديني والاقتصادي الذي قام به سيف الدين قطز ومعه كبار قادته وأمرائه وعلمائه، وبرغم التحفيز الكبير الذي قام به العلماء وعلى رأسهم العز بن عبد السلام لحث الناس على الجهاد وحمل السلاح في مواجهة التتار، إلا أن بعض المسلمين في مصر.

لم يستوعبوا أن القتال والحرب أصبح أمرا واقعا ومحتما، واستطاع عدد من الجنود الفرار من الجيش والاختباء عن أعين المراقبة، واستطاع عدد آخر الخروج والهرب من مصر، فمنهم من هرب إلى الحجاز ومنهم من هرب إلى اليمن، ومنهم من هرب إلى المغرب، وبدأ جيش المسلمين في مصر بالتجمع في منطقة الصالحية وهي تقع الآن في محافظة الشرقية، وهي منطقة صحراوية واسعة تستوعب الفرق العسكرية المختلفة، وكانت سابقا نقطة انطلاق للجيوش المصرية المتجهة إلى الشرق، وتجمعت الفرق العسكرية من معسكرات التدريب المنتشرة في القاهرة والمدن المصرية الكبرى، ثم توجه قطز بجيشه إلى سيناء، ثم سلك طريق الساحل الشمالي لسيناء بحذاء البحر الأبيض المتوسط، وكان هذا التحرك في أوائل شهر شعبان من عام ستمائة وثماني وخمسين من الهجرة، الموافق شهر يوليو من عام ألف ومائتان وستين ميلادي، وكان قطز يتحرك على تعبئة.

حيث أنه لا يتحرك إلا وقد رتب جيشه بالترتيب الذي سيقاتل به العدو لو حدث قتال، وذلك حتى إذا فاجئه جيش التتار كان مستعدا للقتال، وقد وضع على مقدمة جيشه بيبرس ليكون أول من يصطدم بالتتار، لكي يحدث نصرا ولو جزئيا، وذلك ليرفع من معنويات جيش المسلمين الذي يسير خلفه، وكان سيف الدين قطز قد سلك في ترتيب جيشه نهجا جديدا في التخطيط العسكري، حيث كون في مقدمة الجيش فرقة كبيرة نسبيا على رأسها بيبرس، وجعل هذه الفرقة تتقدم كثيرا عن بقية الجيش التي تسير خلفها، وتظهر نفسها في تحركاتها، بينما يتخفى بقية الجيش في تحركاته، فإذا كان هناك جواسيس للتتار اعتقدوا أن مقدمة الجيش هي كل الجيش، فيكون استعدادهم على هذا الأساس، ثم يظهر بعد ذلك قطز على رأس الجيش الأساسي، وقد فاجأ التتار الذين لم يستعدوا له، واجتاز بيبرس سيناء في الخامس عشر من شهر رجب لعام ستمائة وثماني وخمسين من الهجرة، ودخل فلسطين وتبعه قطز بعد ذلك في سيره.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock