دين ودنيا

الدكروري يكتب عن موقعة عين جالوت ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدرة والأحكام المدبرة، فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم علينا سبيل، فلا تطيلوا الخطاب وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاها ولا عزا ولا كافيا ولا حرازا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منا خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم والسلام علينا وعليكم وعلى من أطاع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى” فكانت الرسالة إعلانا صريحا بالحرب أو تسليم مصر للتتار، على إثر هذه الرسالة عقد قطز مجلسا ضمّ كبار الأمراء والقادة والوزراء وبدؤوا مناقشة فحوى الرسالة، كان قطز مصمما على خوض الحرب ورافضا لمبدأ التسليم، ولكن كان هناك تردد من قبل بعض الأمراء.

في قبول ما رآه قطز، عندها قال قطز مقولته المشهورة أنا ألقى التتار بنفسي، ثم قال يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المسلمين، وأنهى كلامة بقوله من للإسلام إن لم نكن نحن، وقعت كلمات قطز في قلوب الأمراء فأيدوه في قراره، وأعلنوا معه الجهاد في سبيل الله، ثم قرر قطز أن يقطع أعناق الرسل الأربعة الذين أرسلهم هولاكو، وأن يعلق رؤوسهم على باب زويلة في القاهرة، وذلك بعد أن استشار ركن الدين بيبرس الذي قال أرى أن نقتل الرسل الأربعة ونقصد كتبغا قائد المغول متضامنين، فإذا انتصرنا أو هزمنا فسنكون في كلتا الحالتين معذورين، وبعد أن استقر الوضع في مصر، وبعد قتل رسل هولاكو، أصبح قطز يُسرع من عملية تجهيز الجيش، ولكن واجهته مشكلة جديدة هي المشكلة الاقتصادية.

فلابد من تجهيز الجيش المصري وإعداد التموين اللازم له، وإصلاح الجسور والقلاع والحصون، وإعداد العدة اللازمة للحرب، وتخزين ما يكفي للشعب في حال الحصار، وليس هناك من الأموال ما تكفي لتأمين كل ذلك، فقام قطز بدعوة مجلسه الاستشاري ودعا إليه سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وبدؤا التفكير في إيجاد حل للأزمة الاقتصادية الطاحنة، واقترح قطز أن تفرض ضرائب لدعم الجيش، ولكن هذا القرار يحتاج فتوى شرعية، لأن المسلمين في دولة الإسلام لا يدفعون إلا الزكاة، عندها أفتى العز بن عبد السلام وقال إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم كله قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص وهي حزام الرجل وحزام الدابة المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة.

مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا وهكذا بين العز بن عبد السلام بأنه لا يجوز فرض ضرائب إلا بعد أن يتساوى الوزراء والأمراء مع العامة في الممتلكات، ويجهز الجيش بأموال الأمراء والوزراء، فإن لم تكفي هذه الأموال جاز هنا فرض الضرائب على الشعب بالقدر الذي يكفي لتجهيز الجيش ليس أكثر من ذلك، وقبل سيف الدين قطز فتوى العز بن عبد السلام وبدأ بنفسه وباع كل ما يملك وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك، فانصاع الجميع وامتثلوا أمره، فقد أحضر الأمراء كافة ما يملكون من مال وحلي نسائهم وأقسم كل واحد منهم أنه لا يملك شيئا في الباطن، ولما جمعت هذه الأموال ضربت سكا ونقدا وأنفقت في تجهيز الجيش، ولكن لم تكفي هذه الأموال في تغطية نفقة الجيش، فقرر قطز إقرار ضريبة على كل رأس من أهل مصر والقاهرة من كبير وصغير دينارا واحدا، وأَخذ من أجرة الأملاك شهرا واحدا، وأَخذ من أغنياء الناس والتجار زكاة أموالهم معجلا.

وأخذ من الترك الأهلية ثلث المال، وأَخذ من الإيطان والسواقي أجرة شهر واحد، وقيل أنه بلغ جملة ما جمعه من الأموال أكثر من ستمائة ألف دينار، واجتمع قطز مع مجلسه العسكري لبحث أفضل طريقة لحرب التتار، وعبر عن عزمه الخروج بجيش مصر لملاقاة التتار في فلسطين بدلا من أن ينتظرهم في مصر، واعترض أغلب القادة على رأي قطز وفضلوا أن ينتظر قطز التتار حتى يصلوا مصر ليدافع عنها، لأن مصر مملكته أما فلسطين فهي مملكة غيره، وبعد نقاش طويل دار في المجلس العسكري، أقرت خطة سيف الدين قطز لعدة عوامل وهي أن أمن مصر القومي يبدأ من حدودها الشرقية وليس من داخل البلد نفسه، ومن الأفضل عسكريا أن ينقل سيف الدين قطز المعركة إلى ميدان خصمه لأن هذا سيؤثر نفسيا على نفوس التتار، ومن الأفضل عسكريا كذلك أن يمتلك المسلمين عنصر المفاجأة فيختاروا هم ميعاد المعركة ومكانها، عندها بدأ العز بن عبد السلام ومن معه من علماء الأمة بصعود منابر المساجد والحث على الجهاد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock