“
بقلم د . صالح وهبة
الحياة الحقيقية هي حياة لها شكل ثان، لها طعم خاص، حياة ممزوجة بالألم والأمل بالعسر واليسر بالفرح والحزن، أما الحياة القائمة على الرتابة والملل والروتين اليومي ليست حياة والذين يعيشونها موتى وهم أحياء .
فالطالب الذي يذهب الى المدرسة من أجل الحصول على شهادة تؤهله لوظيفة بغرض الحصول على المال ثم يتزوج وينجب أطفالا ويسرقه عداد عمره فتتعاقب السنوات والأزمنة ويجد نفسه وهو يفيق ويصحو على كابوس ليرى وجوه أطفال “ينظر اليهم في دهشة واستغراب ويكلم نفسه ” : من أين ومتى انجبتهم ؟!!!!!
وكأن عمره عدى في أيام قلائل، فلو كان عمره ٥٠سنة في هذه اللحظة سيشعر كأنهم مروا في٥سنوات .
هذه الحياة الباردة لا تسمى حياة، فالحياة
ليست تعيينات وشهادات ونجاحات فكثيرا ما يكون بلوغ الأماني على البارد نقمة وليس نعمة وملل قاتل بمعنى، ياتيك النجاح في المدرسة كالمعتاد والعروسة عن طريق الخاطبة وتأتيك الدرجة الوظيفية في ميعادها وتأتيك الذرية الكثيرة كالشجرة التي تأتي بثمارها كل ربيع .
عزيزي القاريء:
يقول الحكيم “بأضدادها تعرف الأشياء ”
فلا تعرف لذة الصحة لولا المرض، ولا لذة النور لولا الظلمة ، ولا تشعر بطعم الراحة لولا التعب ولا بطعم الفرح لولا الحزن.
والمثل الشعبي يقول “حلاوتها في مرارتها”أو
مافيش حلاوة بلا نار no gain without pain
الحياة الحقيقية شيء آخر فهي اعتمال وانفعال وحركة تجيش في الداخل تفتح عينيك على حقائق مدهشة وتنبه الأعصاب على احساسات غاية في اللذة وغاية في الألم وتنبه العقل على أسئلة غاية في الغموض وتنبه الوجدان إلى عواطف مؤرقة مؤلمة ومقلقة .
هذه الحياة تقاس بترمومتر مغروس في القلب وليس في الجيب .
أما الراحة والأمان والاستقرار فهي أحلام الجبناء الذين يعيشون دائما في استرخاء (أكل ومرعى وقلة صنعة ) فينامون على الكراسي والمناصب كما ينام الذباب على القمامة.
الحياة الحقيقية نعمة لا يفوز بها إلا كل شجاع جسور ،الذي يعيش في مجازفات (دائما ينحت في الصخر ) فيقتحم أراضي جديدة في العمل والفكر والفن والعاطفة ويكبح جماح الملل وتحركه الإرادة في تحقيق أهدافه ولحظة من هذه الحياة تعادل عمرا بأكمله لأنها تحفل بمشاعر تفوق بها أعمار الكثيرين .
ويحضرني في ذلك العالم “توماس إديسون “
يقال أن أمه مرضت مرضا شديدا واستدعى الأمر إجراء جراحة إلا أن الطبيب انتظر الى الصباح لعدم وجود إضاءة مما دفع إديسون لاختراع المصباح ليضيء ليلا وأخفقت محاولاته ولكنه لم ييأس بالعكس كلما كان يفشل في محاولة يقول بكل بساطة: وجدت حلا “لا يعمل “حتى لا أنفذه في المحاولة الثانية وتوالت محاولاته حتى نجح في اختراع المصباح الكهربائي .
هذا العالم اتهمته المدرسة بالبلادة والغباء وطردوه منها، فلو كان استسلم للإحباط واليأس ما كان أحد يسمع عنه ولكن الإرادة القوية تصنع المستحيل ، حيث سطر التاريخ اسمه بحروف من نور بين العلماء والعظماء الخالدين.
هذه هي الحياة الحقيقية التي أشبه بالنهر يقاس بالعرض بكمية الانفعالات التي تجيش به من شاطيء اللذة إلى شاطيء الألم وتقاس بالطول بمدى ما يتسع مجراها من ينبوعها إلى مصبها .
أتذكر (أنا شخصيًا) في بعض لحظات حياتي كنت أعيش كرجل عجوز عمره يناهز ١٠٠سنة من كثرة الهموم والمشقة والعقبات ويشهد التاريخ بذلك .
ولكن في كل مرةكنت أجتاز واتخطى العقبات أشعر كأني ولدت من جديد .
فالإنسان الذي يترك نفسه لتحكمه شهوات الأرض والعقارات وشهوة الجنس وشهوة المعدة وشهوة القوة والنفوذ هو إنسان معتقل ، أجمل ما فيه معتقل براءته معتقلة ، شفافيته معتقلة ، روحه التي ولد بها معتقلة ، مطامعه الرخيصة تعتقل مطامعه الغالية .
أيها الإنسان:
اطلق العنان لأحلامك ، حطم كل القيود التي تكبل ارادتك وحولها إلى أجنحة تحلق بها في سماء الإبداع لتنطلق بها نحو غد مشرق .
لا تكن تابعا ، فكر خارج الصندوق ، غرد خارج السرب ، فمن أين لك ان تكون مبدعا وأنت كاسفنجة تمتص دون تمييز أو بضغطة تخرج ما امتصصته دون إدراك .
الأشخاص المنفردين هم الذين صنعوا لأنفسهم تاريخ يخلد أسماءهم بوحدة استقلال فكرهم وصمتهم الفريد الذي يميزهم عن غيرهم .
“ملايين تولد وملايين تموت ولا يذكر التاريخ إلا المنفردين والعباقرة.
نصيحتي
لا يصل المرء إلى حديقة النجاح إلا اذا مر بمحطات المحاولة والخطأ والعبقري هو الذي لا يطيل وقوفه في هذه المحطات.
لا تستسلم لليأس فسقوط المرء ليس فشلًا ولكن الفشل أن يبقى حيث سقط ، فلا يغرق المرء لأنه سقط في النهر بل لبقائه مغمورا تحت سطح الماء .
ردد هذه المقولة دائما: “أتيت إلى العالم لأختلف معه”
“أن أكون “أو “أن أكون”
To be or to be
زر الذهاب إلى الأعلى