بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد أصبح الغش والزيف النفاق هو الذي يسود أرجاء المجتمعات الآن، إلا ما رحم الله من عباده، فلا تجد من يصدع بكلمة الحق، لذا فقد غرقت المجتمعات في مستنقع من الكذب والوهم، وليتك تسكت فقط عن قول الحق، بل إنك تزين الباطل في عيون من يفعله، وهكذا يصبح المرتشي مؤديا لعمله بإخلاص، ويصبح السارق بطلا، إلى غير ذلك من النماذج المشوهة التي أصبحت تملأ حياتنا، لتشكل هياكل الطموحات التي يتطلع الناس للوصول إليها، ولكن الإيمان بالله عز وجل هو النبع الفياض الذي يرسّخ القيم وتبنى به المجتمعات ويوفر لها الصلاح والفلاح والأمن والتنمية، فإن أي عمل اجتماعي أو اقتصادي لحل مشكلات المجتمع يهتم بالقيم المادية ويتجاهل القيم الإيمانية فإنه يسلك طريق الضعف ويقذف بالجيل إلى حياة الفوضى والعبث، ويقتل فيه روح المسؤولية والفضيلة، وما أصاب المسلمين اليوم من قصور ليس مرجعه قيم الإسلام ومبادئه ومقاصده وغاياته.
وإنما سببه الفرق بين العلم والعمل والفصل بين العقيدة والمبادئ والقيم، واللحاق بركب الحضارة لا يكون على حساب الثوابت، وإن ثوابتنا وقيمنا نحن المسلمين هي سبب عزّنا وهي سبب تقدمنا، ويجب أن يعرف كل فرد في الأمة التي تريد النهوض إلى المجد أن العقيدة هي التي تبني القوى وتبعث العزائم وتضيء الطريق للسالكين، وإن الحفاظ على قيم الحياء والحشمة والعفاف والبعد عن الاختلاط وعدم ابتذال المرأة تظل أحد أكبر صمامات الأمان للمجتمع إزاء الكوارث الخلقية التي أصابت العالم اليوم في مقتل، ولقد تعرضت القيم الإيمانية على امتداد التاريخ لموجات متتالية من العبث وتيار جارف من الانهيار، ويتقوى المجتمع بتحصين القيم من ضرر يصيبها أو تيار جارف يهدمها، وذلك بتأسيسِ الجيل منذ نشأته على القيم وإبراز القدوات الصالحة للأجيال المؤمنة، والله تعالى يبين لنا نماذج من القدوة الصالحة، التي يجب أن تقدم للأجيال حتى يتخلقوا بأخلاقها.
ويسيروا على نهجها أجل القدوات رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وإن من الحقوق هو حفظ الله سبحانه للإنسان حقه في حرية المأوى فلا يصح لأحد أن يدخل عليه في منزله بدون إذنه بل ولا يصح لأحد أن ينظر إلى داخل منزله بدون إذنه أو يتجسس عليه بالاستماع لما في بيته، فانظر أيها العاقل إلى الأدب العظيم الذي يؤدب الله به عباده في دين الإسلام، ومن ذلك إعطاء الحرية لصاحب المنزل أن يقول لمن يطرق عليه الباب يريد الدخول في وقت لا يريد مقابلة أحد أو أن يكون المستأذن غير مرغوب في دخوله أعطاه الله الحرية أن يقول ارجع، وبين سبحانه للمستأذن أن رجوعه وعدم دخوله حينئذ خير له، وفي الوقت نفسه يجب أن يرجع بنفس راضية ملتمسا العذر لصاحب المنزل وأن من حقه أن لا يأذن لأحد في الوقت أو الحال التي لا يريد دخول أحد عليه فيها، وأيضا حفظ الله سبحانه وتعالى في الإسلام كرامة الإنسان رجلا أم امرأة وعرضه.
فحرم رميه بالكلام القبيح الذي يقدح في عدالته وكرامته كأن يتهمه بالزنا أو اللواط أو يتهمه بالخيانة كالسرقة أو غيرها وهو بريء أو يسبه سبّا قبيحا ويلعنه أو يكفره ويخرجه من دين الإسلام، وجعل الله لكل شيء من هذه الاعتداءات جزاء رادعا كل منها بقدره، فجعل حد رميه بالزنا أو اللواط ثمانين جلدة وجعل جزاءه في غير ذلك بتأديبه حسب ما يراه القاضي من جلد أو سجن، وكذلك فلقد حفظ الله سبحانه وتعالى في الإسلام للإنسان، مكانته فجعله كغيره من بني الإنسان في الميزان فلا يجوز أن يفضل أحد على أحد بكثرة المال ولا بالمنصب ولا بالجمال الجسدي ولا باللون وإنما التفضيل بتقوى الله تعالى والإيمان به فمن كان مؤمنا بالله تعالى مسلما حقا فهو الأكرم عند الله، ولقد ضمن الإسلام للمستعبدين من البشر حريتهم، فبعد أن كان الرق منتشرا في الجاهلية وعند غير المسلمين من الغربيين وغيرهم انتشارا أساسه الاستعلاء والظلم العظيم.
فسدّ الإسلام جميع أبواب الرق كلها وفتح له بابا واحدا لمصلحة الرقيق نفسه وهو غير المسلم الذي يقع أسيرا في أيدي المسلمين عند حربه لهم، فقد رحمه الله بالإسلام بأن أباح استرقاقه بدلا عن قتله لكي يعيش في بيت مسلم أوجب الله على أهله الإحسان إليه وإكرامه، حتى يرى تعاليم الإسلام السمحة العادلة وحتى يزول عنه الجهل المؤدي به إلى الشقاء فيدخل الإسلام عن اقتناع فيكون ممن أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم “بأنهم يقادون إلى الجنة بالسلاسل” فإذا أسلم وطلب الحرية أمر الله سيده بعتقه صدقة أو مكاتبه، وفتح الإسلام مع هذا الباب أبوابا كثيرة لتحرير المماليك ذكرها الله سبحانه في القرآن الكريم، ومنها كفارة قتل الخطأ، وكفارة الحنث في اليمين، وكفارة الجماع في نهار رمضان، وكفارة الجماع وقت الإحرام بالحج، وكفارة الظهار من الزوجة، وكفارة الإساءة إليه، وهناك أبواب أخرى.
زر الذهاب إلى الأعلى