بقلم / محمـــد الدكـــروري
وفي التصور القرآني فإن كل شخص يمتلك حرية التصرف وهومسؤول عن أعماله، وعليه يجب على الإنسان أن يغير ما بنفسه من سوء، وأن يتحمل المسؤولية لإحداث التحضر المطلوب، ويتم ذلك من خلال تثبيت العقيدة الصحيحة في النفس، وأن الإيمان يمنح الإنسان القوة التي تجعله يتحلى بالأخلاق الحميدة والتي تحرضه بدورها على الرقي والتقدم في الدنيا، كما يمكن القول أن الإيمان عامل حضاري يوجه إرادة الجماعات نحو المسار الصحيح ليزيدها عطاء وقوة، ويجعلها تبدع أكثر، وإن الحضارة تتنوع وتتباين مظاهرها حول العالم باختلاف الشعوب، وتختلف تعريفات الحضارة من مدرسة فكرية إلى أخرى، فيقول البعض إن الحضارة هي الثقافة، بينما يرى البعض الآخر أن الحضارة أعم وأشمل من مفهوم الثقافة لدى الشعوب، ولكن من المؤكد أن الحضارات تتكون من، اندماج عناصر أساسية هي الاقتصاد، والنظام السياسي.
والعادات والتقاليد، وإنتاج العلوم والفنون، ويتاح للشعب إنتاج الحضارة الخاصة به في فترات الاستقرار وعدم وجود اضطرابات سياسية أو اقتصادية، وذلك لأن الإنسان يوجه طاقته نحو الأعمال الإبداعية أكثر كلما شعر بالأمان في الحياة، وإن وراء كل اكتشاف ومعلم حكايات ترجع لعصور بعيدة وأمكنة مختلفة، على رأسها تلك القطع الفريدة والمعالم التاريخية المميزة في بلادنا، صاحبة الحضارة الأعرق في التاريخ، والتي ما زالت تحتضن أشهر القطع والمعالم الأثرية في العالم، فمن اليهودية والمسيحية وحتى الإسلام، ذكرت قصة الملك العظيم، الملقب بذي القرنين، وقصة بنائه سدا ضخما، ليمنع قوم يأجوج ومأجوج من إيذاء الشعوب التي كان تسكن العالم، آنذاك، ففي القرآن الكريم، وردت قصة الرجل، الذي آتاه الله مُلكا عظيما، وطاف مشارق الأرض ومغاربها، فكان حاكما عادلا له قوة وسلطان، يعاقب الظالم ويكافئ الصالح، ورغم اختلاف العلماء والفقهاء على مر التاريخ.
حول هوية ذي القرنين ويأجوج ومأجوج وحتى مكان السد العظيم الذي بناه ليحمي العالم من هؤلاء المفسدين، فيعرف بعض علماء المسلمين ذو القرنين بأنه الإسكندر الأكبر المقدوني، وهو أحد أشهر القادة العسكريين والفاتحين عبر التاريخ، والذي حكم العالم في القرن الرابع قبل الميلاد، ويرجحون أن يأجوج ومأجوج وهما أمتان من بني آدم، ومن نسل يافث بن نوح عليه السلام محبوسون داخل سد ذي القرنين، ويحاولون يوميا الخروج من ذلك السد المنيع، واستنادا إلى بعض الكتب التي تناولت خصيصا موقع سد ذي القرنين، وشهادة العلماء والخبراء، فإن السد المنيع أو الردم، كما يعرفه البعض، يقع في أرض القوقاز، بين سدين مائيين وهما بحر الخزر وهو قزوين حاليا والبحر الأسود، حيث توجد سلسلة جبلية كالجدار تفصل الشمال عن الجنوب، يقع بينها مضيق وحيد وهو مضيق “داريال” المعروف، الذي يحوى السد، الذي هو عبارة عن جدار أى ردم حديدي أثري، وموجود حتى الآن.
ولهذه المرجحات يعتقد الكثير من العلماء أن سد “ذو القرنين” هو الجدار الحديدي الأثري، الذي يقع في هذا المضيق، والذي يطلق عليه البعض اسم “بوابات الإسكندر” والواقع بين أوسيتيا الجنوبية التابعة لجورجيا وأوسيتيا الشمالية التابعة لروسيا، وفقا لما ذكره الكاتب والمؤرخ السوري محمد خير رمضان في كتابه “ذي القرنين، والباحث عبد الله شربجي، في كتابه “رحلة ذو القرنين إلى المشرق” ووفقا لما ذكر بالآيات القرآنية، فقد أحسن ذو القرنين بناء السد حيث بناه بطريقة هندسية مميزة، فشيد كسد كبير يصعب تسلقه واختراقه، ولعل السبب في نجاح البناء يعود إلى فطنة ذي القرنين، إذ أدرك خطر فساد يأجوج ومأجوج، فأمر العمال ببناء السد من الحديد والنحاس المذاب، لسد التجاويف التي تتخلل قطع الصلب، وبالتالي يصبح السد محكم الإغلاق، وقويا، وصلبا، وإن ذو القرنين المذكور في سورة الكهف كان ملكا من ملوك الأرض وعبدا صالحا مسلما.
طاف الأرض يدعو إلى الإسلام، فنشر الإسلام وقمع الكفر وأهله وأعان المظلوم وأقام العدل، وأن يأجوج ومأجوج هما قبيلتان من بني آدم، تنحدران من ذرية يافث بن نوح عليه السلام كانوا متوحشين واحترفوا الإغارة والسلب والنهب والقتل والظلم في قديم الزمان، وكانوا يقطنون الجزء الشمالي من قارة آسيا، وغالب كتب التاريخ أشارت إلى أنهم منغوليون تتريون، وأن موطنهم يمتد من التبت والصين جنوبا إلى المحيط المتجمد الشمالي، وأما القبائل التي استنجدت بذي القرنين لحمايتهم من يأجوج ومأجوج، فقد أشار القرآن الكريم إلى أنهم في جهة مشرق الشمس، وأنهم ضعفاء متأخرون في الحضارة، إذ لم يكن لهم من البنيان ما يسترهم من وهج الشمس، وأنهم لا يكادون يفقهون ما يقال لهم ولكن الله هيأ لذي القرنين من الأسباب ما يجعلهم يفقهون عنه ويفقه عنهم، ويرى بعض المؤرخين أنهم كانوا يقطنون في شمال أذربيجان وجورجيا وأرمينيا.