بقلم / محمـــد الدكـــروري
اتقوا الله ربكم، واغتنموا ما بقي من أعماركم، واعتبروا بما ضاع من أوقاتكم، واتعظوا بمن مضوا قبلكم فإنكم سائرون على دربهم، صائرون إلى مصيرهم، ولا مفر من الله تعالى إلا إليه، ولا نجاة إلا بصدق التوجه إليه سبحانه وتعلق القلوب به سبحانه وتعالى، وإخلاص العمل له وحده دون سواه، وإنه سيحل علينا شهر ذي الحجة ضيفا عزيزا على القلوب فأيامه الأوائل أيام مباركات، أيام العمل فيها أحب إلى الله تعالى من غيرها، حتى إن الله تعالى أقسم بها في قرآنه الخالد، وقسم الله بها دلالة على أهميتها وعظيم شأنها، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أمته عن فضيلة هذه الأيام، ويحثهم على التزود من الأعمال الصالحات فقال “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام” ويعني أيام العشر، قالوا يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء” رواه البخارى.
وفي حديث آخر “ما من أيام أحب إلى الله تعالى أن يتعبد فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم فيها بصيام سنة، وقيام كل ليلة بقيام ليلة القدر” رواه الترمذي وابن ماجه، فما دام الأمر هكذا فتعالى لكي نأخذ العهد على أنفسنا أن نحافظ على هذه الأعمال في هذه الأيام وغيرها، فخير العمل ما قلّ ودام، ولكن هذه الأيام لها خصوصية نغتنمها ونتعرّض لنفحاتها كما قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم “إن لله في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها” فيجب علينا أن نتعاهد على الصلاة، حيث أن نتحول عند سماع الأذان أينما كنا، ومهما كانت ظروفنا، إلى أقرب مسجد ممكن، فنصلي الفريضة مع الجماعة الأولى، فقال صلى الله عليه وسلم “مَن توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غفر له ذنوبه” رواه مسلم، وكذلك المحافظة على صلاة الفجر، وهو أن نصلي صلاة الفجر في أقرب مسجد.
ثم نظل في إقبال على الله تعالى ذاكرين مبتهلين حتى تشرق الشمس، فقد قال صلى الله عليه وسلم “مَن صلى الصبح في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة” رواه الترمذى، وكذلك المحافظة على السنن الرواتب المؤكدات، وهو أن نصلي السنن الرواتب المؤكدة التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم والتي حث أمته عليها، حيث قال صلى الله عليه وسلم “ما من عبد يصلي كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا من غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة، أربعا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الغداة” رواه مسلم، وكذلك المحافظة على صلاة الضحى، وهو أن نصلي صلاة الضحى، وأقلها ركعتان، وأوسطها ثمان، وأكثرها اثنتا عشرة ركعة، حيث قال صلى الله عليه وسلم “مَن صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين.
ومَن صلى أربعا كتب من العابدين، ومَن صلى ستا كفى ذلك اليوم، ومَن صلى ثمانية كتبه الله من القانتين، ومَن صلى اثنتي عشرة ركعة بَنى الله له بيتا في الجنة” رواه الطبرانى، وأيضا المحافظة على صلاة الوتر وأقلها ركعة، وأكثرها إحدى عشرة ركعة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات، حيث قال صلى الله عليه وسلم “إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن” رواه أبو داود، وكذلك المحافظة على صلاة الليل وأقلها ركعتان، ولا حد لأكثرها، حيث قال صلى الله عليه وسلم “عليكم بصلاة الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم” رواه الترمذى، وكذلك المحافظة على صيام أيام العشر الأوائل من ذي الحجة، وعلى الأقل صيام الاثنين والخميس منها، حيث قال صلى الله عليه وسلم “تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن تعرض أعمالي وأنا صائم” رواه الترمذى.
وكذلك المحافظة على صيام يوم عرفة، حيث قال صلى الله عليه وسلم “صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” رواه مسلم، وكذلك المحافظة على الصدقة والتصدق بأموالك وبما ينفع الناس، وخاصة على الأصناف التي ذكرها الله في القرآن الكريم، وكذلك المحافظة على قراءة القرآن، حيث أن تكثر من قراءة القرآن الكريم، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والباقيات الصالحات، والتزود من العلم، ومجالسة الصالحين، وإذا انتهيت من صلاتك أو أورادك، فلا تتحول من مكانك حتى تبسط يديك إلى الله تعالى في دعاء مقرون بالذل والضراعة، وتسأل فيه كل حاجاتك، وتستدفعه كل مخاوفك، حيث قال صلى الله عليه وسلم، عندما سُئل أي الدعاء أسمع؟ قال “جوف الليل الأخير، ودُبر الصلوات المكتوبات” رواه الترمذى، وأيضا قيام ليلة العيد وأقل القيام أن تصلي العشاء والفجر في جماعة.
حيث قال صلى الله عليه وسلم “من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى، لم يمُت قلبه يوم تموت القلوب” رواه الطبرانى، وعن سهل بن معاذ، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله، فقال أي الجهاد أعظم أجرا؟ قال “أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا” قال فأي الصائمين أعظم أجرا، قال “أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا” ثم ذكر لنا الصلاة والزكاة والحج والصدقة، كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا” فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه، لعمر رضي الله تعالى عنه، يا أبا حفص، ذهب الذاكرون بكل خير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أجل” رواه أحمد، ولكن قيل حديث ضعيف لكن يؤخذ به في فضائل الأعمال، فأكثروا من التكبير والتحميد والتهليل في هذه الأيام، وأكثر من قول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هن الباقيات الصالحات، وأيضا يكثر من قول.
“لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” وهذا الذكر المبارك يقال في عرفة أشهر مواقف الحج وأعظمها وألذها، وأشدها قربا من الله تعالى حين يتجلى للواقفين بعرفة يباهي بهم ملائكته وهم يعلنون التوحيد، ويكررون هذا الذكر، من زوال الشمس إلى غروبها، ومن عرفة إلى مزدلفة، يسير الحاج إليها وهو يعج بالتلبية، وفيها ذكر ودعاء وتوحيد، وذكرها مأمور به في آيات المناسك، فرغم كَيد الكائدين، وتخطيط المتآمرين، واستماتتهم لقتل أي نزعة للإيمان والتوجه إلى الخالق سبحانه وتعالى في قلوب الناس، إلا أن هذا المشهد يزعجهم، ويقض مضاجعهم حيث يهدم مخططاتهم، ويعيدهم من جديد للمربع الأول تخطيطا وتآمرا.
زر الذهاب إلى الأعلى