بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونتيجة اللعن ورفع الرحمة عن الأمة تأتي تقطيع الأمة إلى أمم شتى، كل واحدة على حدتها وهي المأزق الكبرى التي وقعت الأمة الإسلامية اليوم فيها، كان غضب الله على بني إسرائيل من هذا النوع، فقال تعالى فى سورة الأعراف ” وقطعناهم فى الأرض أمما منهم الصالحون، ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون” وإن ما وقع ببني إسرائيل تحت غضب الله ولعنته حتى رماهم بالتشريد ومزقهم في الأرض، وحصل ذلك لهم لأنهم لم ينكروا المنكرات الشائعة فيهم، بل تركوها تتوالد وتتكاثر الجراثيم حتى اغتالت كل صالحة فيهم” وإن الحضارة في اللغة هي مصدر الفعل حضر، وهي مرحلة سابقة من مراحل التطور الإنساني، وهي التمدن، والحضارة خلاف البداوة، وجمعها حضارات، وفي الاصطلاح الحضارة هي كل ما يشتمل على العقيدة، والفن والقانون والأخلاق والعادات وهي مجموعة من النظم التي تميز مجتمعا ما عن غيره من المجتمعات.
كما أنها حصيلة ما يكتسبه الفرد في مجتمعه، ولا يزال مفهوم الحضارة من المفاهيم المختلف على تعريفها بسبب اختلاف النظرة إليها من شخص لآخر، بالإضافة إلى اختلاف المدارس الفكرية واختلاف معنى الحضارة بين الفلاسفة والباحثين، وقد ذهب بعض منهم إلى أن الثقافة والحضارة هما مصطلحان يحملان معنى واحدا، وذهب البعض الآخر إلى أن المصطلحين يختلفان عن بعضهما ولكل منهما معنى محدد، حيث بينوا أن الحضارة تقتصر على التقدم المادي للمجتمع، في حين تقتصر الثقافة على أفكار وعقائد الإنسان، وقد تعددت تعريفات الحضارة الاصطلاحية، فقد عرف ابن خلدون الحضارة على أنها مفسدة للعمران، حيث إنها تكوين المدن العظيمة الثرية والمترفة، والتي يميل سكانها إلى الراحة، مما يشجع سكان البادية من حولهم على غزوهم والاستيلاء على أموالهم، ثم ما يلبثو أن يكونوا ثروة أخرى لتعود وتزول على أيدي غيرهم.
وهكذا يرى ابن خلدون أن الحضارة تفسد العمران ففي بداية تكوينها يكون العمران، ويزول بعد أن يركن أهلها إلى الراحة، ويرى أيضا أن الحضارة هي طور طبيعي في مختلف المجتمعات وهي التفنن في الترف الذي ينقل الناس من حياة البداوة إلى التحضر وازدهار العمران، وبشيوع مظاهر الترف يظهر الفساد ويبدأ الهرم فيها، وقيل أن الحضارة هى نظام اجتماعي يعين الإنسان على زيادة إنتاجه الثقافي، وقيل أن الحضارة عبارة عن كيان معقد يضم العديد من الفنون والآداب، والعادات، والتقاليد، وجميع القوانين التي يكتسبها الإنسان في المجتمع، أما الحضارة في الإسلام والتي تعرف بالحضارة الإسلامية فهي مجموعة القيم والمفاهيم التي تنبع من وجهة نظر الإسلام والمرتبطة بمختلف مناحي الحياة الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والعلمية، والإدراية، والاقتصادية، وتعكس هذه المفاهيم نظرة الإسلام الشاملة للحياة والإنسان بما يلائم حاجاته.
وتطلعاته لعمارة الكون من حوله، وأن مفهوم الحضارة عند العرب بشكل عام هو ما يدل على نمط الحياة المناقض للبداوة، كما يدل على إنشاء المدن والأمصار وتحقيق مكاسب العيش، كما يمكن القول أن الحضارة اليوم لم تعد تقتصر على تناقضها لمعنى البداوة فقط، وإنما تعبّر أيضا عن ارتقاء المجتمعات وتطورها في جوانب الحياة المادية، والمعنوية المختلفة، كما أن الحضارة ليست حكرا لأجناس معينة فتكون قادرة على صنعها وأخرى غير قادرة، وإنما هي ملك للأمم التي تأخذ بأسباب العلم على اختلاف العصور، فالحضارة الإنسانية لم تقم بجهود أمة واحدة وإنما ساهم كثير من الأمم في قيامها، حيث إن الحضارات الإنسانية عبارة عن حلقات متصلة مع بعضها البعض، وكل حضارة تأتي تعمل على رفع الصرح الحضاري درجة أكثر من الحضارة التي سبقتها، وإن معرفة وتحديد عوامل قيام الحضارات يتطلب معرفة الظروف والتجارب التي مر بها الإنسان وعايشها، بهدف الاستفادة من الماضي.
وتعتبر الحضارة غاية أي اجتماع بشري مستقر، وانهيار الحضارة هو نهاية وجود المجتمع البشري واستقراره، وإن أي مجتمع بدون حضارة سيكون مجتمعا بدائيا، فالحضارة تضع حاجزا بين الإنسان وهمجيته فتحميه، وأما عن عوامل ظهور الحضارة فيرى بعض الفلاسفة والباحثين بتعددها، ويرى بعضهم الآخر أن الحضارة تقوم على عامل واحد فقط، فمنهم من يرجع قيام الحضارة إلى طبيعة الجنس، أو إلى الظروف البيئية المحيطة، أو إلى الأحوال الاقتصادية، أو إلى جوهر الإنسان وإرادته وعزيمته، أو إلى دور القيم الاجتماعية في المجتمع والتي وضعت لتناسب حضارة قوية ومتينة، أو إلى قوة المجتمع بحد ذاته، حيث رأى بعض الفلاسفة أن قيام الحضارة بسبب أحد هذه العوامل أو بسبب عاملين أو أكثر مجتمعين مع بعضهم البعض، وإن عوامل قيام الحضارات في الرؤية الغربية قيل بسبب عاملين فقط، وهما الطبيعة والإنسان.