بقلم / محمـــد الدكـــرورى
وفي حديث جرير “ما من رجل يكون في قوم، يعمل فيهم بالمعاصي، يقدِرون على أن يغيروا عليه، فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا” وإن وجود المصلحين في أمة هو صمام الأمان لها، وسبب نجاتها من الإهلاك العام، فإن فقد هذا الصنف من الناس فإن الأمة وإن كان فيها صالحون يحل عليها عذاب الله كلها صالحها وفاسدها لأن الفئة الصالحة سكتت عن إنكار الخبث، وعطلت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاستحقت أن تشملها العقوبة، وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية فى سورة المائدة “يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم” وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه” رواه أبو داود، والترمذي والنسائي، وإن الإصلاح أمر من الله، فضياع أمره يجلب الانتقام الإلهي.
ولا بارك لأمة أن ينتقم الله منهم، فقال الإمام أحمد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه “لما فتحت قبرص فرّق بين أهلها فبكي بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدر داء جالسا وحده يبكي فقلت يا أبا الدر داء، ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى” وكذلك فإن ترك الإصلاح يؤدي إلى تعميم العذاب في الدنيا، والهلاك المعنوي، كالفقر والذلة والهوان، التي تعتبر من موجبات عدم استجابة الدعاء، فعن حذيفة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا ثم تدعونه فلا يستجيب لكم” رواه الترمذي، وقال النبي صلى الله عليه وسلم.
“لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه عن الحق أطرا أو ليضربن الله في قلوب بعضكم ببعض ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ” وضرب القلوب على القلوب المشار إليه في الحديث الشريف إشارة إلى مزجها وخلطها ببعض، بمعنى أن تمتزج القلوب الفاسدة مع القلوب السليمة وهذا من شأنه أن ينقل الفساد والاعتلال إلى القلوب السليمة الصحيحة لا العكس، فإن مخالطة الصحيح للمريض لا يمكن أن تنقل الصحة إلى المريض بل أن المريض هو الذي ينقل المرض إلى الصحيح بالعدوى، يقول الشاعر ولا تجلس إلى أهل الدنايا، فان خلائق السفهاء تعدى ومن هنا كان واجبا على المجتمع المؤمن لكي يحتفظ بوجوده سليما معافى من آفات العلل النفسية والأسقام الخلقية التي من شأنها لو تمكنت منه أن تدمره، وتأتي عليه كما يأتي الوباء على من ينزل به، نقول إن الواجب على المجتمع المسلم أن يتفقد مواطن المنكر التي وصله من بعض أفراده.
فيعمل على إجلائها من مواطنه بكل وسيلة ممكنة له، ومن ذلك إشاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا من شأنه أن يحقق وقاية وعلاجا معا” وإياكم من عاقبة اللعن والطرد من رحمة الله تعالى، فإن اللعن هو الطرد من رحمة الله وتحت كنفه، كما أن رحمة الله تعم ميادين الحياة فإذا رفعها الله فسيحقق آثارها في كل الميادين، أي يأخذ اللعن كل نواحي المجتمع، بدءا من صلاحية الأفراد وتنتهي بانهيار الحضارات، فلا تبقى لوجودها مقومات، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم “إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل انه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق ودع ما تصنع به فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه في الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما علموا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض” وأما الحضارة وانهيارها وإصابتها بالطرد من كنف الله، كم امتدت جذورها فان من قبلنا عبرة.
فيقول الله عز وجل فى سورة هود ” ويا قوم لا يجرمنكم شقاقى أن يصيبكم ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد” فإنهم كانوا في الحجر وهي بين الشام والحجاز، ونلمح من تذكير صالح لهم أثر النعمة والتمكين في الأرض لثمود، كما نلمح طبيعة المكان الذي كانوا يعيشون فيه، فهو سهل وجبل وقد كانوا يتخذون من السهل القصور وينحتون في الجبال البيوت، فهي حضارة عمرانية واضحة المعالم في هذا النص القصير، ونبى الله صالح يذكرهم باستخلاف الله تعالى لهم من بعد عاد، وإن لم يكونوا في أرضهم ذاتها ولكن يبدو أنهم كانوا أصحاب الحضارة العمرانية التالية في التاريخ لحضارة عاد، وإن سلطانهم امتد خارج الحجر أيضا، وبذلك صاروا خلفاء ممكنين في الأرض محكمين فيها وهو ينهاهم عن الانطلاق في الأرض بالفساد، واغترارا بالقوة والتمكين، وأمامهم العبرة ماثلة في عاد الغابرين.