مقالات

الدكرورى يكتب عن الحفاظ علي الوطن ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

فإن الإصلاح مهمة كل مسلم، وإن مهمة الإصلاح ليست مهمة الأنبياء والرسل والدعاة فقط بل مهمة كل مسلم غيور على دينه ووطنه، فأهل الفساد يبذلون ليل نهار من مال ووقت وجهد للنيل من الإسلام والمسلمين، فحري بأهل الصلاح أن يبذلوا ما في وسعهم من طاقة، لإصلاح ما أفسده الآخرون والأمر لا يحتاج شهادات ولا بلاغة في القول ولا فصاحة في اللسان، وإنما يحتاج إلي غيره وإيمان، وعزيمة صادقة، وإرادة قوية، فهذا رجل كان يعمل نجار ولكنه استشعر المسئولية أمام الله تعالى وهو حبيب النجار في قرية إنطاكية حينما أرسل الله تعالى لها رسولين فكذبوهما فعززنا بثالث وكذبت القرية الرسل الثلاثة ولكنه لم يقف ويقول ماذا أفعل بعد الرسل ليس من شأني، لا يقل هذا الكلام ولكنه جاء من أقصي المدينة يقوم بإصلاح قريته كما قال تعالى في سورة يس.

” وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون، ومالى لا أعبد الذى فطرنى وإليه ترجعون، أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغنى عنى شفاعتهم شيئا ولا ينقذون، إنى إذن لفى ضلال مبين، إنى آمنت بربكم فاسمعون، قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومى يعلمون، بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين” فإن الصلاح والإصلاح هما الحصن الحصين لبقاء المجتمع وتقدمه ويعتبران الحياة التي جاهد المصلحون من أجلهما، وإن للصلاح والإصلاح في القرآن الكريم آثار منها جلب ولاية الله عز وجل، ومن آثار الصلاح أيضا انه يجلب ولاية الله تعالى ورعايته لعبده الذي أخذ بين جنبيه نفسا صالحا قام بتهذيبها، وقامت بدورها التي من أجلها خلقت وحينئذ يجلب الولاية، فقال الله تعالى فى سورة الأعراف ” إن ولى الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين” وأنها أي المنكرات انتهاك حرمات الله.

والله تعالى يغار على حرماته أن يعتدي عليها، ومن شأن المؤمن الصالح أن يكون وليا لله، يحب ما يحب الله ويبغض ما يبغض الله، ومعنى هذا أن من رأى حرمات الله تنتهك ولم يكن له غيرة تنزع به إلى الحفاظ عليها، وحمايتها من عدوان المعتدين واقتراف المقترفين، لم يكن وليا لله ولا واقعا موقع رضاه، وإنها صمام أمان للبشرية في الدنيا والآخرة، فإن الإصلاح صمام أمان للبشرية في الدنيا والآخرة، فقال الله تعالى في تأمين المصلحين من الفزع يوم القيامة فى سورة الأنعام ” وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون” وقال تعالى في تأمين المصلحين من الهلاك في الدنيا فى سورة هود ” وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون” وعن النعمان بن بشيررضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها، كمثل قَوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها،

وبعضهم أسفلها، فكان الذى فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا من فوقهم فقالوا، لو خرقنا فى نصيبنا خرقا ولم نؤذى من فوقنا؟ فإن تركوهم وما أرادوا أهلكوا وهلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا” رواه البخارى، ومن آثار الإصلاح هو جلب المغفرة والرحمة، فقال الله تعالى فى سورة النساء ” وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما” وأما عن عاقبة ترك الإصلاح، فهو تعميم العذاب في الدنيا، فإذا تركت الأمة طريق الإصلاح واتصفت بالسلبية واللامبالاة عمها الله بالعذاب والعقاب، فقال الله تعالى فى سورة الأنفال “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب” أي اتقوا فتنة تتعدى الظالم فتصيب الصالح والطالح، الطالح لفساده وظلمه والصالح لسكوته عن المنكرات، لأن السكوت عن الفساد يؤدي إلي عموم المفسدة وكثرة الخبث فيكون الهلاك للجميع، فروى البخاري ومسلم.

عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ يوما من نومه فزعا وهو يقول”لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا” وحلق بين أصبعيه السبابة والإبهام” فقالت له زينب رضي الله عنها يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال “نعم إذا كَثر الخبث” وإن المنكَر إذا أعلن في مجتمع، ولم يجد مَن يقف في وجهه فإن سوقـه تقوم، وعوده يشتد، وسلطته تظهر، ورواقَه يمتد، ويصبح دليلا على تمكن أهل الفساد وقوتهم، وذريعة لاقتداء الناس بهم، وتقليدهم إيّاهم، وما أحرص أهل الفساد على ذلك، وقد قص الله تعالى علينا خبر بني إسرائيل حين نهاهم أن يعدوا في السبت، ولنا في تلك القصة عبرة، فقد أنجى الله تعالى الذين ينهون عن السوء فقط، وأما البقية فقد عذبهم كلهم، وهذه سنته سبحانه في كل أمة يحق عليها العذاب، فإن لم يكن في الأمة من ينهى عن السوء والفساد فلا نجاة لأحد منها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock