بقلم / محمـــد الدكـــرورى
فالمجتمع كله مسئول عنه، فإذا أدى إلى خصومة أو نزاع بين أفراد المجتمع، فلابد أن يتدخل كل بقدر طاقته، نستطيع أن نشبّه الأمراض الاجتماعية بالحريق، لكن حريق لا يدمر البنيان والحجارة ولا يهدم الجبال الرواسي، ولا يقطع منابع الماء ولكن يأكل القلوب والضمائر ويهدم كل معاني الألفة والمحبة والخير في الصدور، فعلى المجتمع أن يقوم لإخماد أي نزاع ولو كان ذلك بين زوج وزوجته، وإذا كان المجتمع يطالب بالإصلاح في نزاع وقع في أسرة فكيف بنزاع أكبر فيه هدم الأسر، وأما عن المرحلة الثانية، وهو الإصلاح بعد التمكين، ففي هذه المرحلة يغلب العدل مع الناس في تحقيق مصالحهم ولا يتحقق إلا بنصر الله تعالى في الأرض كي ينال المصلحون موعود الله بالاستمرار في النصر، كما قال الله تعالى فى سورة الحج ” ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز، الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور”
فإن في هاتين الآيتين أقسم الله سبحانه وتعالى أنه سينصر، من نصره ثم أكد النصر بقوله تعالى ” إن الله لقوى عزيز” ويتحقق التمكين والاستمرار في النصر بالشروط الأربعة، وهى إقامة الصلاة أي إقامة شروطها وأركانها وواجباتها وخشوعها والحرص على سننها، والمحافظة على الجمعة والجماعات وعدم التساهل في ذلك واستتابة تارك الصلاة حتى يلتزم بأدائها فإن التزم بذلك وإلا قتل، وإيتاء الزكاة أي دفع الزكاة لمستحقيها بطيب نفس حتى لو تطلب الأمر أخذها بالقوة من الأغنياء، وردها إلى الفقراء، كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، والأمر بالمعروف أي تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والنهي عن المنكر أي كل ما نهى الله عنه من المنكرات في العقيدة والشريعة والأخلاق، وإن القرآن الكريم ملئ بالنماذج الحية التي تمثل أنموذج الشخصية الإصلاحية من الأنبياء والمصلحين.
الذين جعلهم القران بمثابة مؤسسة علمية كبيرة تعطي الضوء على كل ما يحتاجه المصلح، في ميدان إصلاحه، كل في ميدانه، ومن خلال السماع إلى قصص المصلحين في القرآن الكريم ندرك أهمية هذه الصفات ونتطلع على جملة صفات، وهذه الصفات شروط في تحقيق الإصلاح العام، لمن أراده، ومن أهم هذه الصفات هو وضوح النيّة والوجهة، ولقد أخبر الله تعالى عن حال الأنبياء والرسل في كتابه الكريم مع أقوامهم كما قال تعالى فى سورة الشعراء ” وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين” وقال تعالى فى سورة الأعراف ” إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم” فكانت نياتهم في تغيير الواقع لله تعالى فقط، وكل يعقب على نيته بلسانه الخاص، كما قال تعالى فى سورة الأنعام ” قل إن صلاتى ونسكى ومحياي ومماتى لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين” لذا وقع أجرهم على الله فقال الله تعالى فى سورة الأعراف.
“والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين” وعلينا جميعا بالتوكل والثقة والصبر واليقين، والقدوة، فهذه مقومات لبناء النفس والأمم، ولم يأت نبي ولا مصلح إلاّ زود بهذه المقومات لأداء رسالته الإصلاحية، فإذا لم يتحلى المصلح بهذه العناصر فليس بإمكانه أن يجتاز أي مرحلة من مراحل الإصلاح، فلسان كل مصلح في القرآن “وما توفيقي إلا بالله فهو القادر على إنجاح مسعاي” حيث قال الله تعالى فى سورة هود ” وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب” ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه “لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا” وجاء في وصف المصلحين أنهم غرباء يستغرب الناس فهمهم للإسلام، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
“إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء، قال ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال ” الذين يصلحون إذا فسد الناس” رواه الطبراني، وعليكم أيضا بعلو الهمة مع اللطف والألفة، فإن من أبرز خصائص الشخص المؤثر الجذاب، علو الهمة مع اللطف والخلق الرفيع، ولاشك أن الشخص السيئ الخلق فرد منفرد إلى أبعد الحدود، وليس من سمات الصالحين فضلا عن أن يكونوا مصلحين، ومن هنا فقد أكدت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على أهمية الالتزام بالسلوك الجذاب المؤلف، وعلى تجنب السلوك والتصرف المنفر، فجاء هذا التحذير الواضحن فى القرآن الكريم حيث قال تعالى فى سورة آل عمران ” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين” وكما قال الله تعالى فى سورة فصلت ” ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عدواوة كأنه ولى حميم”
زر الذهاب إلى الأعلى