أدب وشعر

وقفه مع المستثمر الوطني

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن غاية الإسلام من أتباعه هو تكوين أمة صالحة تصلح للخلافة وإعمار الأرض، لتحافظ على كيانها، وترتقي بنفسها إلى المعالي، ولن يكون ذلك إلا بالتحلي بالجدية والإيجابية، وأن يبدأ كل بنفسه، منتقلا من مقعد النقد إلى موقع العمل محركا للأحداث آخذا بزمام الأمر مؤمنا بدوره في الحياة ومستعينا بربه دون أن يعبأ بالمعوقين أو يتأثر بالعوام، فعلينا أن نبادر باستثمار العمر، والشباب، والصحة، والمال، قبل فوات الآوان، كما أوصانا نبينا صلي الله عليه وسلم، وعلينا بالمسارعة والمسابقة، وكما يجب عليك لا تغتر بشبابك ولا تغتر بصحتك ولا تغتر بمالك فهي الدنيا ولا تغرنك الدنيا بزينتها، فإذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم، فهذه الدنيا تقول بملء فيها حذاري حذاري من بطشي وفتكي فلا يغرنكم مني ابتسام فقولي مضحك والفعل مبكي، ولقد بين الله عز وجل في كتابه الكريم موقفين يندم فيهما الإنسان على ما فات.

حيث لا ينفع ندم وهما ساعة الاحتضار، حيث يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة، فيتمنى لو منح مهلة أخرى من الزمن كي يعمل صالحا، فقال الله تعالى يصف قول المقصر الذي أضاع وقته في الأعمال الفاسدة كما جاء في سورة المنافقون ” رب لولا أخرتني إلي أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين” ويوم القيامة، حيث تجزى كل نفس بما عملت، ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى الحياة الدنيا، ليعملوا صالحا، فإنه الوقت الثمين الذي يهدر بلا فائدة ودون منفعة تذكر، فإذا أردت أن تدرك قيمة العام، فاسأل من رسب في الامتحانات، وإذا أردت أن تعرف قيمة الشهر، فاسأل من رزقها الله بمولود ناقص النمو، وإذا أردت أن تعرف قيمة الأسبوع، فاسأل المحرر الذي يصدر جريدة أسبوعية، وإذا أردت أن تعرف قيمة اليوم، فاسأل من ستنتهي عطلته الأسبوعية غدا.

وإذا أردت أن تعرف قيمة الدقيقة، فاسأل من فاته القطار، وإذا أردت أن تعرف قيمة الثانية، فاسأل سائقا نجا من حادث محقق، وإذا أردت أن تعرف قيمة الجزء من الثانية، فاسأل بطلا شارك في سباق المائة متر، ولقد خلق الله تعالى الإنسان في هذا الكون وأمره بعمارة الكون واستخلفه في هذه الأرض وجعله سيدا على هذا الكون، وأمره بالاستثمار الشامل واعتبره عبادة يتقرب بها المستثمر المسلم لله تعالى بعمارة الكون، فهو ينطلق من مفهوم الاستخلاف وفلسفته في العلاقة بين الإنسان والكون ومالكهما رب العالمين سبحانه وتعالي، فإن المفهوم الشامل للاستثمار في حياة المسلم هو النابع من الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه “اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك” رواه الحاكم.

وإن مفهوم الاستثمار هو الزيادة والنماء واستغلال الطاقات والإمكانات المتاحة للإنسان وتوظيفها التوظيف الأمثل، والإسلام بذلك يرتقي بالاستثمار ليتجاوز المنظور المادي وتحقيق الرفاهية القائمة على إشباع متطلبات الجسد، ليمتد إلى طلبات الروح والعقل التي لا تقل عن الناحية المادية في الحياة، والاستثمار في الإسلام ذات مسئولية اقتصادية واجتماعية، فهو لا ينفصم عن حركة الحياة، ويتخذ من الدنيا مزرعة للآخرة، من خلال التوازن بين المادة والروح، والتوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، بضمان حد الكفاية للأفراد، وتوفير السبل لإشباع الحاجات الروحية والمادية، وبناء وتكوين الإنسان الصالح الذي يعد أساس التنمية، ولقد ورد في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “رحم الله امرءا اكتسب طيبا، وأنفق قصدا، وقدم فضلا ليوم فقره وحاجته” ولذلك يقوم المسلم باستثمار مدخراته في المجالات المختلفة. 

بهدف النماء والمساهمة في إعمار الأرض، وإن الإستثمار ليس غاية وإنما وسيلة لتحقيق زيادة الإنتاج للاستزادة من أرزاق الله تعالي، وتنميته لما استخلفه الله عليه من مال، ليعينه على الإشباع المادي والإشباع الروحي، ويعتبر الاستثمار وسيلة من الوسائل المشروعة لتحقيق شرع الله عز وجل وغايته من خلق الإنسان، وإعانة الإنسان على القيام بهمته الأساسية في الوجود وهي تتمثل في عبادة الله تعالى ومعرفته، وهي المذكورة في قوله تعالى في سورة الذاريات ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” وكذلك أيضا بالامتثال للباري في عبادته، وفي أوامره وفي نواهيه، وعمارة الأرض، وهي المذكورة في قوله تعالى في سورة هود “هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها” وأيضا الخلافة في الأرض وهي المذكورة في قوله تعالى في سورة الأعراف “ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعلمون”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock