“صوت الحكمة “
بقلم د صالح وهبه
أهدي هذا المقال الى الصحفي القدير والمتميز الأستاذ “ناصح “بطل مسرحية “الماحي في جميع النواحي “والتي قمت بتأليفها منذ أيام حيث استطاع “ناصح ” بذكائه وعبقريته أن يلجم رئيس التحرير التنفيذي “حافظ” ويصوب له أخطاءه حتي لا يتمادى في جهله ويعتقد “في عينيه” أنه “يفهم صحافة”.
“صوت الحكمة”
بقلم د .صالح وهبة
يقول الحكيم : “جاوب الجاهل حسب حكمته لئلا يصير حكيما في عينيه”
ويقول مرة أخرى : لا تجاوب الجاهل حسب حكمته لئلا تعدله أنت “
الإنسان العادي يتبادر إلى ذهنه أن هناك تناقض بين المقولتين، لكن في الحقيقة لا يوجد تناقض . دعنا نوضح ذلك :
الأولى تعنى أننا لا نطلق للجاهل العنان في الاستمرار والاسترسال في خطئه والتكلم بما لا يعرف ويفتي في أمور أعلى من مستواه ويعتقد أنه على صواب ، لذا يجب التدخل وعدم السكوت والرد بالأدلة القاطعة وهذا ما فعله الأستاذ “ناصح ” حينما رد على رئيس التحرير المدعو “حافظ” وأوقفه عند حده وألجمه.
والمقولة الثانية تعني أننا لا تنزل لمستوى الجاهل عندما يتعصب ويستفزك .. عندما يتلفظ بألفاظ نابية لآنك لو باريته ورديت عليه تكون قد تساويت معه في حماقته .. لأنه قطعا سيتغلب عليك عندما يتهور ويشتم والناس في هذه الحالة لا تستطيع التمييز بينكما ويختلط الحابل بالنابل، على رأي المثل “ لا تناقش غبيا لأن الناس لا تعرف أيكما الغبي ” .
هذا التفسير الذي قمت بتوضيحه هو “الحكمة”.
إذن الحكمة هي أن تعرف متي ترد ، متى تصمت ، متي تتكلم، متي تستخدم العقوبة ، متى تتسامح .
الحكمة ان تفرز وتميز بين الطيب والخبيث .
وإذا أردنا وضع تعريف للحكمة بصفة عامة نقول : هي صفة من صفات الله جل شأنه لأنه “كل شيءٍ بحكمة قد صنعه ” حكيم في قدرته غير المتناهية (لكل شيء تحت السماء حساب )
ونحن كبشر “الحكمة معناها كيف نسلك وماذا نختار ومتى نصمت ومتى نتكلم كما ذكرت .
“علامات الحكمة”
(١)الذكاء
الذكاء جزء من الحكمة بمعنى : لو إنسان ذكي ممكن يكون عبد لشهواته ويسخر ذكاءه فيها وفي النهاية ممكن يكون ذكاؤه سبب ضياع له ولعب في عداد عمره، والشهوات أنواع قد تكون شهوة انتقام ، شهوة ملكية وتسلط ، شهوة نساء وخلافه .
فليس كل ذكي حكيم ولكن كل حكيم ذكي
“(٢)التروي وعدم التسرع”
التسرع بدون تفكير وبدون مشورة وبدون فحص وتدقيق يفقد الإنسان حكمته والمثل يقول : “ليس من الحكمة وضع المقلاة فوق النار والسمكة ماتزال في الماء “.
ممكن شخص يقول : هنآك أمور يتطلب إنجازها بسرعة .. أقول له:هناك فارق بين السرعة والتسرع فالتسرع هو السرعة والاندفاع دون دراسة ودون تدقيق .
فمثلا صحفي يسمع خبر ويسرع في نشره على أنه “سبق صحفي “وبعد فترة وجيزة يتم تكذيب الخبر فيفقد الصحفي مصداقيته بين المتابعين أو شخص يسمع شائعة ويسرع في نشرها في أرجاء الكرة الأرضية ، أو مدير يعاقب موظف دون تحقيق. وأشياء من هذا القبيل ، لأن “أنصاف الحقائق ليست إنصاف للحقائق “
فالشخص المتسرع ليس عنده حكمة لأنه لم يعط لنفسه فرصة للبحث عن الحقيقة وأيضا
التسرع يكون ضباب كثيف على كل عمل يعمله . والمثل يقول : الرجل الضرير لا يضع قدميه إلا إذا اختبر الطريق بعصاه .
(٤)”مفاتيح الشخصية”
الرجل الذي لا يفهم نفسية المرأة ويتعامل معها كما لو كانت رجل .
أو المرأة التي لا تفهم نفسية الرجل وتعامله كأنه مثلها ، هذا ليس من الحكمة .
أيضًا الحكمة تتطلب معرفة نفسية الأطفال .. نفسية المراهقين حتى نستطيع التعامل معهم بحكمة .
الحكمة تتطلب معرفة وفهم مفاتيح شخصية كل من نتعامل معهم من الناس والحكيم هو الذي يختار الأسلوب الذي يتواءم معهم.
(٥) “حسم النتائج “
الحكيم يحسب حساب كل كلمة قبل نطقها وردة فعلها ومدى تاثيرها ونتائجها وعلى سبيل المثال :
شاعر أراد وصف الشمش وقت الغروب أمام الوالي (وهي في الأفق حينما كان نصفها العلوي ظاهر والنصف الآخر مختف ) وكان الوالي “أحول “، فقال :
الشمس قد كادت ولما تفعل .. كأنها في الأفق عين الأحول، فاغتاظ الوالي وبدلا من أن يكافئه عاقبه لأن الوالي أحول كما ذكرت .
(٦)”ربح الناس”
الانسان الحكيم يعرف كيف يربح الناس وتظهر حكمته في كيفية حسن التصرف فيتكلم حين يلزم الكلام ويصمت حين يحسن الصمت .
الإنسان الحكيم يعلم جيدا “ليس كل صمت فضيلة وليس كل كلام رذيلة ” ويعرف متي يستخدم الحزم ومتى يستخدم الطيبة .
“وفي النهاية”
الحكمة هي التي النظر في الأشياء بحسب ما تقتضيه الظروف والطبيعة فليس من الحكمة أن تعيش في الماء وتعتبر التمساح عدوا لك…
الحكيم لا يقول كل ما يعرف والأحمق لا يعرف كل ما يقول ..
إذن وجب عليكم ألا تضعوا الحكمة في غير اهلها فتضلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموها .
“
