منوعات

دور وتأثير الفنون في نهضة وتنمية المجتمع .

كتبت / ولاء مصطفى

إستضاف برنامج ” كلنا إنسان ” على قناة إذاعة البرنامج الثقافي ، على تردد “91.50 FM” المؤرخ والناقد الفني د. أحمد عبد الصبور ، وقد دار الحديث عن فيلم ” أصحاب ولا أعز ” وتأثير الدراما في تكوين علاقتنا الإنسانية والأسرية .

البرنامج من تقديم المذيعة “منى منير ، وإعداد أماني الخولي ، وهندسة الهواء محمود الطناني .

وقد تحدث د. أحمد عبد الصبور قائلاً :
ربما يتعجب كثيرون ، ممن شاهدوا الفيلم العربي ” أصحاب ولا أعز ” ، لحجم الضجة والإنتقادات الحادة التي أثارها ، في وقت يرى فيه نقاد ، أن جل الإنتقادات التي أُثارها الفيلم ، جاءت ممن يعتبرون أنفسهم ” حراس الفضيلة ” في المجتمعات العربية ، والذين يرون أنه من الخطأ ، تعرية عيوب المجتمع حتى وإن كانت موجودة .

ومنذ مشاهدها الأولى تبدو أحداث الفيلم ، وهي تدور ضمن إطار إجتماعي ، وبيئة لا تمثل القطاع الواسع من المجتمعات العربية ، التي تعاني من هموم مختلفة ، تلهث في غالبها وراء لقمة العيش ، وتعاني من نقص الوقود ، وغلاء الأسعار ، وتدبير تكاليف معيشتها ، فمعظم أبطال الفيلم ، يبدون من طبقة أعلى من المتوسطة ، تعيش حياة مختلفة ، ولها همومها المختلفة .

غير أن الفيلم ، تعرض إلى قضايا إنسانية وإجتماعية مشتركة ، ربما تتشارك فيها كل الطبقات ، من قبيل الخيانة الزوجية والمثلية الجنسية ، ودور وسائل الإتصال الحديثة في الإضرار بالعلاقات الزوجية ، وقد إنصب الجدل الذي لاحق الفيلم منذ بدء عرضه ، على العديد من الجوانب وأهمها .

أولاً : ما إذا كان يجب على الدراما بكافة أشكالها أن تعكس صورة حقيقية للمجتمع ؟
ثانياً : قضية الممثل وكيف يراه الجمهور ، في ظل الهجوم الذي تعرضت له واحدة من بطلات الفيلم ، وهي الفنانة المصرية ” منى ذكي ” ، ثم قضية دور وسائل التواصل الحديثة ، في تحويل أفراد الأسرة إلى صناديق أسرار مغلقة .

وقصة فيلم ” أصحاب ولا أعز ” مستوحاة من الفيلم الإيطالي الشهير (Perfect strangers ) وهي النسخة رقم 19 له ، ويتعرض الفيلم لحكاية سبعة أصدقاء ، قرروا خلال حفل عشاء ، في ليلة خسوف للقمر ، ترك هواتفهم النقالة مفتوحة على الطاولة ، ما كشف أسراراً مثيرة ، حول حياتهم الشخصية ، مثل الخيانة الزوجية والمثلية الجنسية.

تركز جل الإنتقاد الموجه لفيلم ” أصحاب ولا أعز” على أنه يسعى إلى هدم قيم المجتمع العربي ، ورأى كثير من المنتقدين ، عبر وسائل التواصل الإجتماعي ، أن الفيلم ، لا يمثل القيم السائدة في المجتمع ، وأنه يرقى إلى مستوى المؤامرة ، لأنه يسعى من وجهة نظرهم ، إلى الترويج للخيانة الزوجية والمثلية الجنسية إلى غير ذلك .
غير أن المنتقدين تجاهلوا ، أن المنصة المنتجة للفيلم ، هي منصة دولية وتنتج أفلاماً ، ربما لا تخضع لأجهزة الرقابة في العالم العربي ، وأنهم ليس من حقهم أن يتحكموا في إختيارات الجمهور .

وفي غمرة الحديث عن قيم المجتمع والدفاع عنها ، الذي شغل كثيرين على مواقع التواصل الإجتماعي ، رد بعض المدافعين عن الفيلم بأنه لا يوجد مجتمع ملائكي أو مثالي ، وأن المجتمعات العربية ، تشهد مثل تلك الظواهر التي عرض لها الفيلم ، مثلها في ذلك مثل المجتمعات الأجنبية ، لكن الفارق من وجهة نظرهم ، هو أن مجتمعاتنا تخفيها ولا ترغب في كشفها ، وكأنها غير موجودة .

من جانب آخر نفى بعض النقاد ، أن يكون الفيلم يشجع على المثلية ، لأنه تناولها في سياق درامي ، ودون تأييد لها أو تشجيع عليها ، غير أن القضية على ما يبدو تستخدم سياسياً ، فقد قدم الصحافي والنائب في البرلمان المصري ” مصطفى بكري ” ، بياناً عاجلاً لمجلس النواب يتهم الفيلم بأنه ” يحرض على المثلية الجنسية والخيانة الزوجية ويتنافى مع قيم وأعراف المجتمع ” ، في وقت يبدو ذلك بالنسبة لكثيرين متناقضاً ، إذ بينما ينبري السياسيون للتنديد بفيلم سينمائي ، فهم يتغافلون عن مشكلات أكبر يعاني منها المجتمع المصري .

وعلى الرغم من غياب أحد أضلع المثلث ألا وهو السياسة ، فإن إحتقان وإلتهاب وتقيح ضلعي الدين والجنس عوضا الغياب وفاضا … أهمية قراءة ومتابعة بالونات السجال وقنابل النقاش وبراكين الخلاف والإختلاف التي تدور رحاها حول ما يتصور البعض أنها صغائر الأمور تكمن في أن الخروج برؤية عنها والوصول إلى تحليل لها يجعل منها كبائر الأمور وعظائم الشؤون .

أمور المصريين وشؤونهم هذه الأيام يطغى عليها ويهيمن فيها فيلم ” أصحاب ولا أعز ” … وكالعادة ، فإن الطغيان والهيمنة لا يتعلقان بجوانب الفيلم الفنية أو زواياه الإنتاجية ، لكنهما يصبان في صميم نسيج المجتمع المصري ، الذي يمر بمرحلة بالغة الحساسية من مراحل التحول والتغير التي لم تتشكل ملامحها بعد .
ملامح الفيلم الزوبعة ” أصحاب ولا أعز “ المأخوذ عن نظيره الفيلم الإيطالي المعروف ” غرباء تماماً ” أو “غرباء كلية ” أو Perfect Strangers تشير إلى نسخة عربية منه تم تقديمها في 18 نسخة بثقافات مختلفة منذ صدور النسخة الأصلية في عام 2016… النسخة العربية ليست بالعربية فقط ، لكنها تخاطب الثقافة العربية ، وهو ما نجم عنه في مصر قنابل عنقودية وإنشطارات ومفرقعات وهوجة نقاشية وغضبة إستنفارية ، وصلت إلى حد مطالبات بالمنع والحجب والمصادرة والممانعة لتطبيقات مشاهدة عنكبوتية أبرزها ” نتفليكس ” منصة العرض الرئيسة ، ومعاقبة لكل مصري ومصرية ضلع في هذا الفيلم ” الذي يهدد ويدمر قيم الأسرة المصرية ” ، وفي أقوال أخرى ” يفتت ويخرب مبادئ المجتمع المصري وأخلاقياته وسلوكياته المحترمة السليمة المحافظة القويمة” … لذلك قام المجتمع المصري عن بكرة أبيه ، بإستثناءات قليلة ، ذات صباح صاباً غضبه وموجهاً إنتفاضته الشعبوية على الفيلم المذكور .

أفراد عاديون في الشارع لا يعرفون عن ” نتفليكس ” سوى إسمها ، وآخرون لا يعرفون إسم الفيلم بالتحديد ، وفريق آخر لم ولن يشاهد الفيلم حفاظاً على الأخلاق ومراعاة للقيم ، ورابع يطالب بقطع الإنترنت عن البيوت وفصل الشاشات عن الكهرباء وحجب الإعلانات عن المتصفحين ورفع القضايا على المشاركين وصب الغضب على الجميع ، وخامس وهب وقته وجهده للتنقيب في أغوار الشبكة العنكبوتية وقص تعليق هنا ولصق رؤية هناك وإلحاق دعاء بجلب اللعنات على الزنادقة هنا وتأطير نتاج القص واللصق في تدوينة نارية تحمل عنوان ” إنتفضوا لحماية قيم الأسرة المصرية ” .

كما شدد ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
يجب على الفن أن يحمل رسالة وهدف ، كما يجب أن يحمل على عاتقه ثقافة الشعوب وبناء الإنسان ، لذلك يجب أن تتطرق الأعمال الفنية لأهم الملفات والقضايا المجتمعية في حياة الإنسان وكيفية إدارة كافة الأمور الحياتية .

وبالتأكيد لا أحد يستطيع أن ينكر دور وتأثير الفنون في نهضة وتنمية المجتمع … وأعتقد إعتقاداً راسخاً وبقناعة تامة أن المجتمع المصري في المرحلة الحالية أصبح في أشد الحاجة إلى الكوادر المؤمنة برسالة ” الفن ” .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock