التوتر والقلق من منظور إسلامي
د/ محمد الشيخ
مدير مكتب الشرقيه
رغم أنه لا توجد في عالمنا الإسلامي إحصاءات دقيقة تبين مدى انتشار الأمراض النفسية من اكتئاب وتوتر وغير ذلك، إلا أن هناك العديد من الشواهد التي تدل على انتشار هذه الأمراض في وقتنا الحالي بكثرة لا يفطن لها إلا المتخصصون والمتابعون للحوادث المؤسفة التي تنجم عن تلك الأمراض.
ومما لا شك فيه أن الأمراض النفسية منتشرة بين الناس غير أن الكثيرين عادة لا يفطنون إلى ذلك، ومن مظاهر تلك الأمراض الشعور بالنقص وفقدان الثقة بالذات والتردد والخوف من الإقدام والوساوس والأوهام وكل هذه أمراض تستهلك الطاقة العقلية للإنسان وتضعف من مقدرته على العمل المنتج.
ويرجع الأطباء كثيرا من حالات الإجرام وإدمان الخمور والمخدرات إلى الاضطرابات النفسية، بل إن كثيرا من الأمراض البدنية مثل الصداع وخفقان القلب والشلل والقرحة المعدية إنما هي أعراض لاضطرابات نفسية.
لدينا سؤالين مهمين، هما:
لماذا اقتحمت الأمراض النفسية مجتمعاتنا العربية؟ وكيف عالج الإسلام هذه الأمراض التي أصبحت تنافس الأمراض العضوية في خطورتها؟
إن كل الدراسات التي أجريت على الحالات التي تعاني من اضطرابات وتوترات نفسية أكدت أن غياب الوازع الديني وضعف التربية الدينية هما أهم أسباب تفشي هذه الاضطرابات التي لم تكن موجودة في السابق ولم تنتشر في مجتمعاتنا إلا عندما سيطرت عليها الماديات وأهملت الدين والأخلاق الدينية، ولعلنا نأخذ عبرة من الدول الاسكندنافية التي تعد من أكثر المجتمعات ثراء، إلا أن نسبة الانتحار أعلى ما تكون هناك، والحال نفسه مع الأمراض والعلل النفسية الأخرى وهو ما يربط بين الانغماس في الماديات وانتشار الأمراض النفسية المعاصرة والتي بدأت في التفشي بشدة.
التفكير في الانتحار
وهناك مشكلة أخرى ضخمة بدأت في الظهور على الساحة في المجتمعات الإسلامية ألا وهي مشكلة تفكير الشباب الذي يعاني من المشكلات المالية أو الاجتماعية في الانتحار متخيلا بذلك أنه يتخلص من مشكلاته للأبد، وفي كل الأحوال فإن الإنسان الذي يلجأ إلى الانتحار إنما هو إنسان عجزت إرادته وقدراته النفسية عن التحمل أو الصمود ولم يستطع التأقلم والاحتمال فتخلص من حياته.
وللإسلام علاج مهم وشامل لهذه المشكلة، فقد حرم في الأساس قتل الإنسان لنفسه وجعل ذلك من الكبائر التي تذهب بفاعلها إلى جهنم وبئس المصير، وبذلك يردع الإسلام كل من يتجه بتفكيره نحو هذا الأمر، والمسلم الذي يتوضأ يوميا ويصلي خمس مرات ويسمع الدروس الدينية ويقرأ القرآن الكريم يتقبل برضا نفس صافية كل ما يتعرض له من ضغوط ومشكلات، ويؤمن بأن الصمود أمام المشكلات والقلاقل التي يتعرض لها إنما هو عبادة لله سبحانه وتعالى، وهكذا يسلم بقضاء الله وقدره ويستغفره ويطلب عفوه ويكون لديه أمل دائم في عفو الله سبحانه وتعالى، وبالتالي لا يطرأ على تفكيره ما يدعوه للانتحار ويعجز الشيطان عن الوسوسة له.
ولذلك عندما نرى مريض نفسي لابد أن نحرص في البداية على التأكد من أن التدين بكل متطلباته قد أسس هذه الشخصية من حيث عبادة الله والإخلاص له والاستقامة ومعارضة هوى النفس، فوقتها يكون علاج مثل هذا المريض من أسهل الأمور وأيسرها.
حائط صد قوي:
أن المتفحص للبرنامج الإسلامي اليومي يجده فريدا من نوعه ولا مثيل له في علاجه للتوتر والقلق والاكتئاب، وحتى بعض الأمراض النفسية المستعصية ومنها الإدمان، فالدين الإسلامي يدعو الإنسان المسلم إلى الاهتمام بالنوم المبكر والاستيقاظ المبكر من أجل صلاة الفجر، ومع الوضوء والصلاة والدعاء مع أولى ساعات النهار فإن التوتر والاكتئاب يصبحان لا مكان لهما، حيث يعد الفرد نفسه بتلك الطريقة السهلة لاستقبال يومه بالتفاؤل والنشاط، وحتى في حال تعرضه لمشكلة ما فإنه سرعان ما ينساها مع دخوله إلى الصلاة، وقد ثبت أن قمة الاكتئاب إنما تحل بالإنسان في أولى ساعات الصباح، وبالطبع فإن أداء المسلم لصلاة الفجر تمحو ذلك الاكتئاب تماما، وعند الظهر وعندما يحل بالإنسان التعب يأتي الأذان لصلاة الظهر حيث تبدأ عملية الوضوء والصلاة لتمحو كل آثار التعب والإجهاد، ولعلنا جميعا نذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يقول أرحنا بها يا بلال وكل هذا يؤكد الدور الفعال الذي تلعبه العقيدة الإسلامية في علاج جميع الأمراض النفسية المستعصية، وإذا كانت الصحة كما تُعرِّفها منظمة الصحة العالمية هي تكامل صحة الجسم والنفس والمجتمع، فإن الصحة في مفهوم القرآن الكريم تعني التكامل التام بين صحة النفس والجسم من خلال سن الأخلاقيات التي تحمي الإنسان من الانسياق وراء شهواته أو الرضوخ لأي ضغط يتعرض له، وكل هذا له بعد فعال في علاج أي توتر أو قلق يصيب الإنسان، وبالتالي تشكل العقيدة الإسلامية حائط صد قويا أمام أدنى فكرة تطرأ على بال المسلم وتعرضه لهزيمة النفس أو سيطرة الشيطان على أفكاره.
– إن وقاية المجتمع من تلك الأمراض اللعينة يجب أن تكون ببناء أرضية صلبة من الأخلاق والدين، لأن هذا هو السبيل الوحيد لتحصين المجتمع المسلم من هذه الأمراض، فالاعتماد على الله يشعر الإنسان بالأمان وعدم الاضطراب.