وقفه مع حقيقة ذكر الله وأثره على النفس “الجزء العاشر “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء العاشر مع حقيقة ذكر الله وأثره على النفس، ولما قال لوهب بن منبه رحمه الله أليست لا إله إلا الله مفتاح الجنة، قال بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك، معناه أن لا إله إلا الله لا يكفي مجرد لفظها كما لا يكفي مجرد المفتاح بدون أسنان، بل لابد من الأعمال الصالحة فأسنانها هي الأعمال الصالحة وفي مقدمة ذلك الفرائض، فاتقوا الله وأكثروا من ذكر الله، وأكثروا من لا إله إلا الله، ولا تغفلون عن ذكر الله، فإن ذكر الله يخالط أعمال المسلم، بل هو روح الأعمال الصالحة ولهذا أمر الله بذكره بعد الصلوات، فقال تعالى “فإذا قضيت الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم”
فالله جل وعلا أمر بذكره بعد أداء الصلوات المفروضة، وأن يداوم الإنسان على ذكر الله في المسجد وفي خارج المسجد، وقال تعالى في الجمعة “فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون” ونهى أن تولهينا الأموال الأولاد عن ذكر الله قال سبحانه وتعالى فقال ” يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون” فعليكم بالإكثار من ذكر الله في جميع أوقاتكم وأوضاعكم فسبحانه وتعالى القائل “اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم” فأذكروا الله ماشيين وجالسين، وأذكروا الله في بيوتكم، ومحلات أعمالكم، وأذكروا الله في دوائركم، أذكروا الله في أى مكان وفى أى وقت.
وأكثروا من ذكر الله دائما وأبدا لينور الله قلوبكم ويصلح أعمالكم، فإن الله عز وجل قد أمرنا بذكره، وذكر الله تعالى من العبادات الشرعية العظيمة، التي غفل عنها كثير من المسلمين، فصاروا كالمنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، وذكرك لربك الذي خلقك من تمام شكر نعمته، واعترافك له بالآلاء والثناء، وذكر الله تعالى يكون بالقلب، ويكون باللسان، وإذا تحدثت عن الشيء ونطقت باسمه سمي ذلك ذكرى، كما قال الله تعالى “ذكر رحمة ربك عبده زكريا” وإذا استحضرت الشيء بقلبك ولم تنسه فإن ذلك ذكر أيضا، فيقول تعالى “وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره” ومن الذكر بالقلب واللسان قوله تعالى “فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا”
فذكر العبد لربه عز وجل سواء بالإخبار عن ذاته، أو صفاته، أو أفعاله، أو أحكامه، أو بتلاوة كتابه، أو بمسألته ودعائه، أو بالثناء عليه، وتقديسه، وتمجيده، وتوحيده، وحمده، وشكره، وتعظيمه، هذا هو الذكر العام، الذي يشمل القرآن، وحلق العلم، وسائر الأذكار، والذكر بالقلب ونحو ذلك، وهذا هو الواجب على العبد نحو ربه أن يذكره بجميع هذه الأنواع، وقد سمى الله تعالى القرآن العظيم ذكرا فقال تعالى “وهذا ذكر مبارك أنزلناه ” وأطلق على التوراة ذلك أيضا فقال تعالى “ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون” فهذا الزبور، والتوراة فيهما هذه القاعدة، وكذلك القرآن، الله يورث الأرض عباده الصالحين، يورثهم الأرض بما استقاموا على الطريقة.
وبما عبدوا الله تعالى، ويكون الذكر أيضا بمعنى الشرف، والصيت، ولذلك قال الله تعالى “لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم” وسبحانه وتعالى ينبه الأمة إلى الشرف العظيم، والصيت الكبير بهذا القرآن، وأنه شرف والله كما قال الله تعالى “وإنه لذكر لك ولقومك” فهو شرف لك ولقومك، مكانة، ورفعة لا يعرف قيمتها إلا من ذاقها، وكذلك يكون الذكر بمعنى الموعظة، كما قال الله عز وجل “ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر” يعني هل من مذتكر؟ أى هل من متعظ؟ وكذلك أخبر النبى الكريم صلى الله عليه وسلم عن اللوح المحفوظ بأنه الذكر، كما قال في الحديث الصحيح ” وكتب في الذكر كل شيء” رواه البخارى، لأن اللوح محل للذكر، كتب الله فيه كل شيء من الكائنات.