وقفه مع الفساد مخاطرة وصورة المعاصرة ” الجزء الحادى عشر”

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الحادى عشر مع الفساد مخاطرة وصورة المعاصرة، فالإسلام منهج حياة كامل متكامل صالح لكل زمان ومكان، ويصلح كل ما أفسده الناس في كل زمان ومكان، ولكن ننبه إلى أن حد الحرابة لا يطبقه إلا السلطان أو نائبه، كما قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع، أما الأحكام فإنه متى وجب حد الزنا، أو السرقة، أو الشرب، لم يجز استيفاؤه إلا بأمر الإمام، أو بأمر من فوض إليه الإمام النظر في الأمر بإقامة الحد، لأن الحدود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، لم تستوف إلا بإذنهم، ولأن استيفاءها للإمام، وأما أهل المفسد وذويه ممن ليسوا معه في الإفساد، فلا يؤاخذون بجريرته، ويحرم الاعتداء عليهم، أو أذيتهم بذنبه، فلو كان يظن مثل هؤلاء أنهم أحرار في أن يكونوا فاسدين.
فهم ليسوا أحرارا بنشر فسادهم، وسنقوم وسيقوم أهل السداد والخير بالتصدي لهم، حتى يتبين فسادهم ويفضحهم الله على رءوس العالمين، ويجب على أهل الخير أن يتكاتفوا في التصدي لمثل هذا الفساد فهو لا يقل عن الفساد الملموس بل هو أدهى وأمر فهو يدمر الدين والقيم، وإن الصراع الواقع على ظهر الأرض منذ بدأت عليها الحياة البشرية، إنما هو صراع بين المصلحين والمفسدين والعاقبة فيه لأهل الصلاح في الدنيا والآخرة، فقال الله تعالى فى سورة القصص ” تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، والعاقبة للمتقين” وإن للمصلحين طرق ومناهج للإصلاح، كما أن للمفسدين سبل وطرائق للإفساد وعلى الناس أن يتبعوا سبيل المصلحين ويجتنبوا سبل المفسدين.
فقال الله تعالى فى سورة الشعراء ” ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون” وقد أوصى نبى الله موسى عليه السلام، أخاه هارون حين استخلفه بألا يتبع سبل المفسدين كما جاء فى سورة الأعراف ” وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين” فهما صنفان من الناس مصلح أو مفسد ولا يستويان، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لايحب الفساد” ولا يمكن أن يستوي أهل الإصلاح وأهل الإفساد في الدنيا ولا في الآخرة، فقال الله تعالى فى سورة ص ” أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض”
“أم نجعل المتقين كالفجار” أبدا لا يستون فقال تعالى فى سورة الرعد ” والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار” وفي تلك الدار، دار البوار، فإن العذاب يضاعف للمفسدين جزاء ما تعدى فسادهم في أنفسهم إلى إفسادهم لغيرهم كما جاء فى سورة النحل فى قوله تعالى ” الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون” وهل بعد ذلك من خسران؟ أبدا، فقال تعالى فى سورة البقرة ” الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون” وإن أثر الفساد والإفساد ليس له حدود لو سارت الأمور على مقتضى أهواء المفسدين.
فالكون كله يفسد لو سارت أموره بحسب أهواء أهل الفساد فقال الله تعالى فى سورة المؤمنون ” ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن” ولو لم يقف المصلحون في وجه المفسدين لعم الفساد أرجاء الأرض ولشمل الضلال كل أطرافها، ولكن من رحمة الله أنه يدفع فساد المفسدين بجهاد المصلحين وذلك كما جاء فى سورة البقرة ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين” وإن مسؤولية المصلحين عظيمة، فواجبهم أن يعتصموا بحبل الله جميعا ضد المفسدين، فالمفسدون مهما تباعدت ديارهم واختلفت ألوانهم وألسنتهم، فإنهم جبهة واحدة وصف واحد ضد الإصلاح والمصلحين، وما لم يكن للمصلحين صف واحد ضدهم.