دين ودنيا

وقفه مع الخلافة الراشدة ” الجزء الرابع والعشرون “

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع والعشرون مع الخلافة الراشدة، وقد توقفنا عندما كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، يراقب ويحاسب هؤلاء العمال بدقة، حيث كان أقسى الخلفاء الراشدين في معاملة الولاة وأشدهم إصرارا على التقشف والتزام العدل، حتى أنه كان يستدعيهم في الحج من كل عام لتفقد أحوالهم، وكان يطلب من حملة البريد أن يقفوا بعد وصولهم إلى الولايات والأقاليم فيسألوا الناس من عنده شكوى على الوالي، وذلك ليرسلها إلى الخليفة دون تدخل الوالي نفسه وحيوله دون وصول الشكوى وإلى جانب العمال، كان هناك في كل ولاية قاضى لتولى القانون وعامل خراج لتحصيل الضرائب وقد أسس الخليفة عمر بن الخطاب عدة أنظمة للمساعدة في إدارة هذه الأقاليم وتنظيمها.

ومن أبرزها العسس والحسبة والبريد والقضاء وقرر عمر بن الخطاب أن على الأراضي المفتوحة أن تظل تحت إدارة فاتحيها لأنهم الأدرى بها والأكثر قدرة على الانتفاع منها، فعُرف ذلك باسم الخراج، وقد أمر عمر بن الخطاب بإلغاء العديد من الضرائب التي قد فرضها الفرس والبيزنطيون، وأعفى النساء والأطفال والشيوخ والفقراء من أداء الجزية، إلا أن الخليفة عثمان بن عفان لم يدر الدولة في تعيين الولاة بنفس صرامة عمر بن الخطاب، بل يعتقد الكثيرون أنه حابا بعض أقربائه ونسبائه بمنحهم منصب الولاية، فكان ذلك سببا في ثورة أهالي الأقاليم عليه وتشكيهم من ظلم أقربائه وقد خلع الإمام علي بن أبى طالب عند توليه الخلافة معظم ولاة عثمان بن عفان.

ورغم أنه ولى عمالا من أقاربه مثلما فعل الخليفة عثمان بن عفان، إلا أنه حاسبهم بصرامة عندما ارتكبوا التجاوزات، مثل عبد الله بن عباس الذي عزله عن البصرة، وقد انقسمت دولة الخلافة الراشدة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق إلى سبع ولايات، وهي الحجاز ونجد والبحرين وعمان واليمن مع حضرموت والعراق والشام، وكانت المدينة عاصمة الدولة التي تخضع لإدارة الخليفة المباشرة، فإن تغيب لسبب ما ولى أحدا مكانه عليها إلى حين عودته، وكان تقسيم الدولة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق أشبه بامتداد للتقسيم الذي تم العمل به في العهد النبوي، لكن الدولة اتَسعت اتساعا كبيرا في عهد عمر بن الخطاب حتى شملت الكثير من البلاد الجديدة.

وكان سكان هذه البلاد من الشعوب المتحضرة المتطورة، فأخذ العرب عنهم وسائلهم في التقسيم الإداري، ويعد عمر بن الخطاب أول من وضع نظام تقسيم إدارى متطور للدولة الإسلامية، وانقسمت فارس في عهد الدولة الراشدة إلى ثلاثة ولايات، والعراق إلى ولايتين وهما البصرة والكوفة، والشام إلى ولايتين وهما دمشق وحمص، وفلسطين ولاية مستقلة، وشمال أفريقيا إلى ثلاث ولايات، ولم يشهد عهد الخليفة عثمان بن عفان ولا الخليفة علي بن أبى طالب لاحقا تغيرات أو تطورات إدارية ذات شأن بعد ما أنجزه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حيث قام عمر بن الخطاب خلال فترة توليه الخلافة بتوحيد اليمن تحت حكم والى واحد، وأما بلاد الشام فقد عاملها كمقاطعات عسكرية مؤقتة.

حيث قسمت بين فاتحيها إلى خمسة أقسام سُميت أجنادا، وكانت هذه الأجناد هي جند دمشق وجند حمص وجند قنسرين وجند الأردن وجند فلسطين ولم يُستعمل تقسيم الأجناد هذا في أي ولاية أخرى من ولايات الدولة، وكانت بعض هذه الأجناد تجمع أحيانا تحت إدارة والى واحد، حيث ضُمت على سبيل المثال قنسرين وحمص معا إلى معاوية بن أبي سفيان عام واحد وثلاثين من الهجرة وبعدها جند فلسطين، وكذلك كانت اليمن تقسم أحيانا إلى ولايتين فيتبع قسم منها صنعاء والآخر الجند، وأحيانا أخرى توحد ضمن ولاية واحدة، وقد تفاوت الخلفاء الراشدون في منهج تطبيقهم للشورى وتعاملهم مع السياسة، فكان الخليفة أبو بكر الصديق على سبيل المثال يستشير ثم يقرر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock