وقفه مع الحج فى زمن الأوبئة ” الجزء الأول”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
لقد شرع الله تعالى العبادات لتحقيق غايات عظيمة، ومقاصد جمّة حيث عُنى القرآن الكريم والسنة النبوية بالمقاصد العظمى للعبادات، ومن ذلك شعيرة الحج التي تضمنت مقاصد وأسرارا عديدة، ومن شأن الوقوف على هذه المقاصد والأسرار أن يحقق المؤمن نتائج إيجابية، كما أن الجهل بمقاصدها قد يؤدى إلى نتائج عكسية فمردود انعكاس العبادة على قلب الإنسان وعلى سلوكه رهين ببعث الإحساس في النفوس بمقاصد العبادة وأسرارها العظيمة لذا ارتأيت الحديث عن أهم المقاصد والحكم التي تضمنتها هذه الشعيرة الربانية، ومنها مقاصد عقدية وهى توحيد الله تعالى وإقامة ذكره وإن مقاصد الحج تدور محاورها على تصحيح الاعتقاد والتعبد، فمنذ الشروع في الإحرام والتلبية تبدأ ألسنة الحجاج تلهج بالتوحيد والتكبير وذكر اسم الله.
فهو الواحد الخالق رب العالمين، الذى لا يستحق أحد سواه أن يعبد، كما في الحج تحقيق لمقصد إقامة ذكر الله الذي انفرد بالكبر والعظمة حيث أيام الحج كلها ذكر لله وتكبير وتعظيم له سبحانه عز وجل، فقال الله تعالى فى سورة الحج ” ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات” ويقول سبحانه وتعالى فى سورة البقرة ” واذكروا الله فى أيام معدودات” ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” إنما جُعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى وحده” رواه أحمد، وأبو داود، والترمذى، وهناك مقاصد تعبدية وهى تعميق معنى العبودية لله عز وجل، فقال الله تعالى فى سورة الأنعام ” قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين” وهو خطاب دال على محض العبودية.
وعلى محض الذلة لله الواحد القهار، وهذه الآية المعبّرة أيما تعبير عن أصدق ما يجده العبد الذي ذاق حلاوة الإيمان حقا وصدقا، وتتجلى مظاهر هذه العبودية في الإذعان لأمر الله تعالى في أداء المناسك من تجرد عن الثياب المخيطة والمحيطة، وكشف عن الرؤوس، والطواف بالبيت، واستلام الركن، وتقبيل الحجر الأسود إذا أمكن، والسعي بين الصفا والمروة، وشرب ماء زمزم، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمرات تعجلا أو تأخرا، والنحر يوم العيد، كل ذلك يعتبر مظهرا للعبودية الخالصة لله رب العالمين، ومنها أيضا هو تحقيق التقوى، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب” ومن سُبل تحقيق التقوى في الحج هو تعظيم شعائره وحُرماته.
فتعظيم شعائر الله تعالى أَمارة على قرب المؤمن من خالقه، ودليل ساطع على تقواه، وذلك مقصد عظيم من مقاصد الحج، فقال الله تعالى فى سورة الحج ” ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” وإن هناك أيضا مقاصد أخلاقية، حيث قال الله تعالى فى سورة الحج ” الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج” وهذه الآية أصل من أصول الحج، وفيها فوائد عديدة، وتحتوى على أحكام وآداب متعلقة بالحج من جهات مختلفة، ولقد استهلت الآية بذكر أشهر الحج، التي هي مناسبة لإيقاظ همم المؤمنين للتعرف إلى الله والتعريف به من حيث هو خالق الكون الذى خلق كل شيء، ومن الأخلاق التربوية التي تتحقق خلال أداء هذه الشعيرة الربانية.
وهو تربية المؤمن على الصبر والتحمل في بيته وعمله وحياته وكل شيء، وتربية النفس على الانضباط، فالميقات الزمنى محدود، والميقات المكاني معلوم أيضا، والتقيد بذلك يعوّد المؤمن على روح الانضباط والانتظام، كما أن الحج يربي على العفة وسمو النفس بحيث إنه حتى الحلال ممنوع أثناء الإحرام، لا يرفث الإنسان مع زوجته بالكلام الذي فيه غزل، فضلا عن الوصال الجسدى ومقدماته، فضلا عن عقد النكاح، فهو محرّم أثناء الإحرام، وفي الحج تربية على الكرم والجود والسخاء، والبذل والإنفاق، كما أن فيه تربية على التواصل والتعاون بين الناس، وليس على التدافع والتقاطع، فالملاحظ أثناء تأدية شعيرة الحج بروز روح الغلبة والتغلب على الآخرين بدل روح التعاون.