وقفه مع الأعمال ما بين الصدق والباطل” الجزء الثالث”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع الأعمال ما بين الصدق والباطل، وبعض أهل الكتاب كانوا يخبرون بأشياء من الصدق والنبي صلى الله عليه وسلم، يصدقهم، مثل المرأتان اليهوديتان اللتان جاءتا إلى السيدة عائشة رضى الله عنها، يخبرانها عن عذاب القبر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فصدّق كلام اليهوديتين بعذاب القبر” رواه البخارى ومسلم، ومن الأمثلة أيضا، عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال “لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهاجرة البحر الذين ذهبوا إلى الحبشة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لهم لما رجعوا “ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ قالت فتية منهم “بلى يا رسول، بينما نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهبانهم تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها فخرّت على ركبتيها فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت العجوز التفتت إليه فقالت سوف تعلم يا غُدر يعني يا غادر، إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين.
وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون كيف أمرى وأمرك عنده غدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “صدقت، صدقت، كيف يقدّس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟ ” رواه ابن ماجه، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قد صدق كلاما قاله الشيطان لما وكل أبا هريرة رضى الله عنه، بحفظ بيت المال وجاء الشيطان بهيئة رجل يحثو منه، فألقى أبو هريرة رضى الله عنه، القبض عليه في أول ليلة وثاني ليلة وثالث ليلة وفي النهاية قال له إني أعلمك آية إذا قلتها قبل النوم حفظك الله لا يقربك شيطان، قال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية ” الله لا إله إلا هو الحى القيوم ” وقال لي، لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح “رواه البخاري، وكان أبو هريرة رضى الله عنه، حريص على الخير، فقد أطلق الرجل لأجل هذه الفائدة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قال لا،
قال صلى الله عليه وسلم فذاك شيطان” رواه البخارى، إذن، قد يصدق الكذوب، فإذا قال صدقا فإننا نقبله ولا نقول لا، لأنهم يكذبون أو فجرة لا نقبل منهم شيئا ولا نصدقهم، بل نصدق ما قالوه إذا وافق الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم، صدق أحد أحبار اليهود، حيث قال “يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع فيقول أنا الملك، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر” صدقه بالضحك الذى هو كناية عن الرضا والإقرار بما قاله، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم ” وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامه والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون” رواه احمد والترمذى، ولكن هل هناك صدق مذموم؟ وإن الجواب هو نعم، فإن من الصدق المذموم هو الغيبة والنميمة والسعاية، ولو ذكره بما ليس فيه، لكان هذا بهتانا، ولكن لو ذكرته بما فيه.
وقلت أنا صادق فربما عذر المغتاب نفسه بأنه يقول حقا، لكن هذا بعيد عن الصواب ومخالف للأدب، لأنه ولو كان في الغيبة صادقا فقد هتك سترا كان صونه أولى، وجاهر من أسر وأخفى، وربما دعا المغتاب، وكذلك النمام والقتات، النمام يمكن أن يكون في نقل الكلام في غاية الأمانة لا يزيد ولا ينقص من الكلام، يذهب للشخص الآخر يقول فلان قال عنك في المجلس الفلاني كذا وكذا وكذا، عابك وقال عنك كذا وكذا وكذا، ونقل الكلام بأمانة وبصدق، ما كذب ولا افترى، فما حكم هذه النميمة ما حكم هذا الصدق في النقل؟ فإنه حرام، وهى نميمة، فالنمام الذى يكون مع القوم يتحدثون فينم حديثهم وينقله، ولكن ما هو الفرق بين النمام والقتات؟ فإن النمّام الذي يكون مع القوم فيسمع الكلام وينقله للإفساد، والقتات الذى يسمع إليهم وهم لا يعلمون فينقل خبرهم، أي يتجسس عليهم ويسمع كلامهم وينقله ولا يكذب، ولا يزيد ولا ينقص، ينقل بدقة، لكن لأجل الفساد، فهذا من المتجسسين وكلاهما لا يدخلان الجنة.
لأن الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم، جاء ” لا يدخل الجنة قتات “رواه البخاري ومسلم، “وكذلك لا يدخل الجنة نمّام ” رواه مسلم، وأما عن السعاية فهي الوشاية، أن يشي بإنسان عند صاحب سلطان أو منصب، لكى يوقع به، وهذه السعاية والوشاية هى شر الثلاثة لأنها تجمع إلى مذمّة الغيبة، ولؤم النميمة، والتغرير بالنفوس والأموال، وقد وردت أمثلة وقصص لهذا فمما ذكره ابن عبد البر في بهجة المجالس قال “استراح رجل إلى جليس له في السلطان، يعني رجل تكلم مع رجل في المجلس فوقع في السلطان “استراح” ووثق بالذى أمامه فتكلم في السلطان هذا الآخر كان غير ثقة ولا يحفظ الحديث فذهب إلى السلطان وقال فلان قال عنك كذا وكذا وكذا، فرفع ذلك عليه، فلما أوقف السلطان ذلك القائل فقال له أنت الذى قلت عنى كذا وكذا وكذا؟ فأنكر أن يكون أحد سمع ذلك منه، فقال السلطان بل فلان سمع ذلك منك هل ترضى به؟ قال نعم، على أساس أنه صديق وصاحب، فكشف الستر عن الرجل.