دين ودنيا

وقفه مع الشورى فى معركة أحد ” الجزء السادس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس مع الشورى فى غزوة أحد، إن للشورى أهمية عظيمة فى حياة الفرد والمجتمع، فالمرء الذي يشاور العقلاء ويستشيرهم في أموره يدرك صواب رأيه أو خطأه، وربما عزم على أمر فإذا شاور غيره فيه تبين له خلاف ما كان يعتقده وما يتصوره فيعدل عن رأيه، ويكف عن الإقدام على ذلك الأمر الذي عزم على فعله، وكم من أناس كانوا يظنون آرائهم صوابا محضا لا خطأ فيها فلما شاوروا غيرهم ونظروا في آراء الآخرين علموا قصورهم، وتبين لهم وجه خطأهم، وهذه من أعظم فوائد الشورى، فلا تقدم على أمر أيا كان نوعه، ولا تتخذ قرارا مهما كان حجمه إلا بعد مشاورة أهل الرأي والتخصص حتى لا تقع فريسة للأخطاء، وعرضة للإخفاقات، وخاصة في الأمور الفيصلية، والقرارات الحاسمة، فإياك أن تتخذ فيها قرارا انفراديا بدون مشاورة لأحد، لأن هذا سيعرضك في كثير من الأحيان للأخطاء القاتلة، والسقطات المدوية، فإن فى الشورى ألفة ومحبة، وتكاتف اجتماعي عظيم.

فتخيل حينما تشاور عددا من أهل الخبرة فى أمر ما، لا شك أن هذه الشورى ستخلق بينك وبين من شاورتهم علاقة طيبة، لأنهم يرون في استشارتك لهم تقديرا لهم، واحتراما لآرائهم وأفكارهم وعقولهم، واستفادة من خبراتهم وتجاربهم، ولولا هذا ما استشرتهم، إذ ليس من المعقول أن تشاور أحدا وأنت ترى فيه النقص والضعف، فلن تشاور إلا من ترى كمال عقله، وقوة تفكيره، وصواب رأيه، فيكن لك في نفسه المحبة والقبول الصادق، كما أنه سيرى فيك الرجولة والكمال والحزم حينما يراك تستشير في آرائك، وتبتعد عن الوحدة والانفرادية في اتخاذ القرارات، فالشورى ألفة للجماعة، ومسبار للعقول، وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم قط إلا هدوا إلى الصواب، فالشورى خير وبركة، وفيها من الهبات والبركات الشيء الكثير، يكفيك في ذلك أن فيها امتثالا لأمر الله، واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفى بهذا خير وبركة، كما أن من بركاتها اجتماع الآراء، وتنوع وجهات النظر التي تعطي للمرء فرصة في الأخذ بأفضل الآراء.

وأصوب الأقوال، والوصول إلى الحقيقة التي يريد الإنسان أن يصل إليها، ويطمح في معرفتها، ليكون مسددا موفقا، بعيدا عن الوقوع في المتاهات والاضطرابات التي تسببها الفوضى والاستبداد في الرأي بدون مشاورة ولا شورى، لأن العقول الراجحة إذا اجتمعت وصل الإنسان إلى الصواب بكل سهولة ويسر، وتكون له آراء من استشارهم كالنور الذي يضيء له الطريق، ويوضح له الأشياء، ويبصره بالواقع الذي يدور حوله والذي ربما يكون الإنسان غافلا عنه، أو لا يحيط به من كل الوجوه، فتأتي الشورى لتعطيه الصورة الكاملة، وتدله على الحقيقة الغائبة، وأما عن غزوة أحد فقد قيل أن الشباب الذين لم يشهدوا بدرا ورجالا ممن شهدوها وذاقوا حلاوة النصر، حبذوا الخروج إلى العدو حتى لا يظن بهم الجبن عن لقائه، ولئلا تتخذ قريش وغيرها ذلك ذريعة للنيل من المسلمين، فقال الذين لم يشهدوا بدرا كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله، فقد ساقه الله إلينا وقبب المسير، وقال رجل من الأنصار متى نقاتلهم يا رسول الله إذا لم نقاتلهم عند شعبنا؟

وقال النعمان بن مالك الأنصارى يا رسول الله، لا تحرمني الجنة، فوالذي بعثك بالحق، لأدخلن الجنة، فقال له ” بمَ؟ ” قال بأني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأني لا أفر يوم الزحف، قال “صدقت” فقتل يومئذ، أى مات النعمان بن مالك، وظهر من هذه المشاورة أن الكثرة تحبذ الخروج إلى العدو، فصلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسلمين الجمعة، ووعظهم وأمرهم بالجد والجهاد، وأخبرهم أن النصر لهم ما صبروا، وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم، ففرح الناس بالشخوص، ثم دخل الرسول عليه الصلاة والسلام بيته، فلبِس لأمته، وأظهر الدرع واعتم، وتقلد السيف، وألقى الترس على ظهره، ولكن المحبذين للخروج شعروا أنهم استكرهوا الرسول صلى الله عليه وسلم للنزول على رأيهم، فقالوا بئس ما صنعنا، نشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي يأتيه، فقاموا واعتذروا إليه، وقالوا اصنع ما رأيت، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام حسم الأمر، وقد رأى أن الأغلبية كانت ترى الخروج.

وقال ” لا ينبغي لنبي إذا لبِس لأْمَتَه أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه، فانظروا ما أمرتكم به، فافعلوه، وامضوا على اسم الله، فلكم النصر ما صبرتم” وقبل أن يستقر أمر الخروج أو الإقامة، أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم حذره، فأمر بحراسة المدينة، وبات بعض المسلمين في المسجد يحملون السلاح، وفيهم كبراء الأنصار، وعندما استقر الرأي على الخروج، عقد الرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أَلوية، الأول للأوس، والثاني للخزرج، والثالث للمهاجرين، وركب الرسول صلى الله عليه وسلم فرسه، وتنكب القوس، وأخذ قناة بيده، وخرج في ألف من المسلمين يحيطون به، وعليهم السلام، وانطلق سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة يعدوان أمامه بدرعيهما حتى إذا كان بالشيخين وهما أطمأن نظر فرأى كتيبة لا يعرفها فسأل عنها، فقيل حلفاء عبدالله بن أبى من يهود، فقال عليه السلام ” لا تستنصروا بأهل الشرك على أهل الشرك” وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم مع المسلمين المغرب بالشيخين، ثم استعرض المقاتلين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock