دين ودنيا

وقفه مع إتساع أبواب الخير ” الجزء الخامس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع إتساع أبواب الخير، فأكثر دوما من الخير إِنه هو النور في القبر لمن مات يحصل، وكن عبد الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، فالناس صنفان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن من علامات رضا الله عن العبد أن يجعله مفتاحا للخير فإن رؤي ذكر الله برؤيته وهو يتقلب في الخير، يعمل الخير وينطق بخير، ويفكر في خير، ويضمر خيرا، فهو مفتاح الخير حسبما حضر، وسبب الخير لكل من صحبه، والآخر يتقلب في شر ويعمل شرا وينطق بشر، ويفكر في شر، ويضمر شرا فهو مفتاح الشر، واعلم عبد الله أن إيمان العبد لا يكمل إِلا بتمني الخير لغيره من المسلمين، وما أعظم أن يكون المؤمن دليلا على فعل الخير، ليحظى بذلك الجزاء الوافر، وأنفع ما يقدمه المرء للناس إرشادهم وتعليمهم وبذل النصح لهم، ودلالتهم على فعل الخيرات، وحثهم على استثمار الأوقات، وتشجيعهم على اغتنام القربات، وسل الله الثبات على الدين وادعه أن يجعلك ممن يلزم طاعته وتقواه.

واستعذ بالله أن يردك على عقبيك فتترك الخير وتنقطع عنه، وتفعل الشر وتميل إليه نفسك، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال ولا تأمن لرجل أن يكون على خير فيرجع إِلى شر فيموت بشر، ولا تيئس من رجل يكون على شر فيرجع إِلَى خير، فيموت بخير، ولهذا يجب أن نحاسب أنفسنا، يجب أن نحاسب أنفسنا على التفريط في جنب الله، وندعو ربنا أن يثبتنا على فعل الخير حتى الممات، تأمل في قوله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” وما تفعلوا من خير يعلمه الله” فهي تبعث في نفس العبد راحة وفي قلبه طمأنينة، ذلك أن المحسن إِلَى الخلق المخلص في ذلك لا ينتظر تقديرا ولا ثناء من الخلق، فإنه متى فعل الخير وأيقن بأن ربه يعلمه علما يثيب عليه هان عليه ما يجده من جحود نكران بعض الناس، للجميل الذى أسداه والمعروف الذى صنعه، فاعلم يا باغي الخير أن مفهوم الخير واسع وليس محصورا، فهو اسم شامل لكل ما ينتفع به المرء عاجلا أو آجلا، إِنها أيام وليالى إعتاق الرقاب وقبول المتاب.

ومضاعفة الحسنات، ورفعة الدرجات، فهلموا وأروا الله من أنفسكم خيرا في مواسم الخيرات، ولا تفرطوا في أوقاتها، فالعاقل لا يزهد في اكتساب الأعمال الصالحات، ولا يسوف ولا يتأخر في اغتنام القربات بل يلزم اليقظة ويتدارك ما فات، وعلى المسلم أن يتحرى الخيرات ويستكثر منها حتى يعتاد إليها، وتصير له سجية في النفس وعادة في الطبع، فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال عودوا أنفسكم الخير، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين” والمسلم مأمور بأن يطلب الخير في دهره كله، لكنه مطلوب منه أن يجد ويعزم على استغلال الأيام الفاضلة، كفرصة هذا الشهر العظيم الذى انقضى الذى تفتح فيه أبواب الجنة، فما على المشمرين إِلا أن يقبلوا، وما على المتسابقين إِلا أن يبادروا، وقد تيقن المفلحون أن من الغبن والحرمان أن يحرم المرء فضل هذا الشهر، فهو زمن ليس كغيره من الأزمان كما قال ابن الجوزى رحمه الله.

شهر رمضان بين الشهور كيوسف بن إخوته، فكما أن يوسف أحب الأولاد إِلى يعقوب كذلك رمضان أحب الشهور إِلى علام الغيوب، وكان ليعقوب أحد عشر ولدا ذكورا، ولم يرتد بصره بشيء من ثيابهم، وارتد بقميص يوسف بصيرا، فكذلك المذنب العاصي إذا شم روائح رمضان، فإن شهر رمضان فيه من الرأفة والبركات والنعمة والخيرات والعتق من النَّار والغفران من الملك القهار ما يغلب جميع الشهور وما اكتسبنا فيه من الآثام والأوزار، فعلينا أن نتلافى ما فرطنا فيه في سائر الشهور، ونصلح فيه فاسد الأمور، فالله الله اغتنموا هذه الفضيلة في هذه الأيام المباركات، تعقبكم النعمة الجزيلة والدرجة الجليلة والراحة الطويلة إن شاء الله، وحتى يتحقق الاغتنام نحتاج إِلى أن نصون أوقاتنا في الأيام المباركه، ونحذر شياطين الإنس الذين يجتهدون في صرف المسلمين عما يكون فيه خيرهم ونفعهم وصلاحهم، وكما يجب علينا ألا تلهينا مواقع التواصل ولا غيرها عن اغتنام أوقات الأيام المباركات.

حيث يجد فيها بعض الناس تسلية ومتعة، فينشغلون بها وينصرفون عن الجد والاجتهاد في مواسم الخيرات، وأن الله سبحانه وتعالى قد سمى نفسه بالكريم، ووصف نفسه سبحانه بأنه ذو الجلال والإكرام، فسبحانه ما أكرمه، وما أعظم فضله على عباده، وإذا ذكر الكرام عد من أنبل صفاتهم وأكرم نعوتهم أنهم يفتحون أبوابهم ليدخل إليهم من يريدون القرى، وينشدون الفضل والإحسان، والله عز وجل، وله المثل الأعلى، قد علم أن بعباده إليه حاجة، وأنهم مفتقرون إليه، لا غنى لهم عنه، يريدون فضله، ويطمعون في عطائه ونواله، ويرغبون في القرب منه، والزلفى لديه، ففتح لهؤلاء العباد أبوابا كثيرة مشرعة ليدخلوا منها إلى فضله وإحسانه، وإلى رحمته ورضوانه، ولقد علم الكريم أن عباده الصالحين يحبون القرب منه، والزلفى لديه، ففتح لهم الأبواب الموصلة إلى رحمته، وبين لهم الطرق المؤدية إلى جنته، وعددها، ونوّعها لئلا يمل هؤلاء المحبون ويكلوا فيقطعوا، وسهّلها لئلا يتثاقلوا ويتركوا فيُحرموا.

وهذا من رحمته وتيسيره لعباده، إنه هو البر الرحيم، والناظر في كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد هذه الطرق أكثر من أن تحصر، ومن رام عدها رام أمرا عسيرا، ولكن حسبنا أن نعمل بما نعلم، وأن نتذاكر فيما بيننا فيما لا نعلم، وأن نجتهد في ذلك، فمن اجتهد وجد، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حدّث أصحابه عن الزكاة، فسأله الصحابة عن الإبل والخيل، فأخبرهم بحقها وأجرها، ثم سألوه عن الحُمر، فقال صلى الله عليه وسلم “ما أنزل الله عليّ في الحُمر شيئا إلا هذه الآية الفاذة الجامعة ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” وهذا الجواب تقعيد مفيد لمسألة عظيمة ذات شعب متكاثرة، فبين للسائل أن الله عز وجل جعل على نفسه أن يعطي كل ذي حق حقه، فمن عمل صالحا فسوف يراه، ومن عمل سيئا فسوف يراه، وما ربك بظلام للعبيد، وفضل الله واسع، وعطاؤه جزيل، فربما عمل العبد عملا يظنه يسيرا ولكنه عند الله عظيم.

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضى الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها أى حذاءها فاستقت له به، فسقته، فغفر الله لها به” أنظروا امرأة زانية اشتهرت بالبغي والإفساد، عملت عملا صالحا أخلصت لله فيه فغفر الله ذنوبها، سبحانه هو الغفور الرحيم، فما ظنكم بمن رحم مؤمنا مسكينا ففرّج عنه أو أطعمه وسقاه؟ ومثل هذا ما أخرجه مسلم عنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذى المسلمين” وفي رواية “مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة” ولا عجب فإن ذلك الرجل وتلك المرأة لم يتعاملا مع مخلوق يعتريه الضعف والفقر والبخل، وإنما كانت معاملتهما مع خالق كريم عظيم يحب من عباده أن يتقربوا إليه بالأعمال ولو قلت لينميها لهم، ويدخلهم بها جنات النعيم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock