وقفه مع تربية الأبناء مسؤلية مَن ؟” الجزء العاشر “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء العاشر مع تربية الأبناء مسؤلية مَن؟ وقد توقفنا عند رحمة الآباء بالأبناء ولولا ذلك لانقرض النوع الإنساني من الأرض، ولما صبر الأبوان على رعاية أولادهما، وإننا في هذه الأيام يجب علينا أن نحاسب أنفسنا، وأن نراجع إيماننا، لننظر هل محبتنا لأولادنا أشد وأعظم من محبتنا لله ولرسوله؟ إننا إذا كنا نتأثر بمحبتنا لأولادنا، ونترك لهم الحبل على الغارب، فلا نأمرهم بطاعة الله، ولا ننهاهم عن معصية الله، نكون بعملنا هذا قد آثرنا محبةَ أولادنا على محبة ربنا ومحبة رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما يأمران به وينهيان عنه، فعليك أيها الأب أن تحاسب نفسك، وأن تراجع إيمانك، فعليك أن تتقي الله عز وجل في هؤلاء الأبناء، الذين لهم أمانة في عنقك، فإن كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فما الذي قمت به تجاه هؤلاء الرعية؟ فعليك أن تتقي الله وأن تحرص على استثمار أوقاتهم، فلا تتركهم يذهبون يمينا وشمالا، ويتسكعون في الطرقات، ويتلقفون ما يتلقفون من الأخلاق السيئة من هذا وذاك، إنها أمانة تبرّأت منها الجبال.
وحملتها أنت أيها المسكين، إنك كنت ظلوما جهولا، فينبغي ألا يغيب عن البال أن ظاهرة الرحمة إن حلت في قلب الأبوين، وترسخت في نفسيهما، قاما بما يترتب عليهما من واجب، وأديا ما أوجب عليهما من حق رعايتهما الأولاد، تلك الرحمة كانت تملأ قلب رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فتفيض عيناه بما تكنه جوارحه، ففي الصحيحين من حديت أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال أرسلت إحدى بنات الرسول صلى الله عليه وسلم تدعوه وتخبره أن صبيا لها في الموت يعنى في مقدمات الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ارجع إليها وأخبرها أن لله تعالى ما أخد، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب” فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابث ورجال رضي الله عنهم فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي، فأقعده في حجره ونفسه تقعقع أى تتحرك وتضطرب ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سعد.
ما هذا يا رسول الله؟ قال “هذه رحمة جعلها الله تعالى فى قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء” وفي الصحيحين أيضا من حديت أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه وأنت يا رسول الله؟ فقال “يا ابن عوف، إنها رحمة” ثم أتبعها بأخرى فقال “إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإن بفراقك يا إبراهيم لمحزونون” إلا أن هذه الرحمة التي استكنت فى قلبه صلى الله عليه وسلم لم تخرجه عن حد الاعتدال، فقد كان يوجههم إلى ما فيه نفعهم وصلاحهم، وإن كان فيه قسوة عليهم، فهذا مقتضى الرحمة ففي الصحيحين من حديت أبى هريرة رضي الله عنه أنه قال أخذ الحسن بن علي رضي الله عنه تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فِيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كِخ كِخ ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟”
وحينما أتته ابنته فاطمة رضي الله عنها تشتكى مما تلاقيه من عمل المنزل، وتطلب منه خادما يخدمها، أرشدها النبى صلى الله عليه وسلم إلى التسبيح ثلاثا وثلاثين، والتحميد ثلاثا وثلاثين، والتكبير أربعا وثلاثين، تم قال لها ولعلي رضي الله عنهما “هو خير لكما من خادم” رواه مسلم، فلم تدفعه صلى الله عليه وسلم عاطفة الأبوة إلى تلبية طلب ابنته بل أرشدها إلى ما فيه صلاحها دنيا وأخرى، وهذا منتهى الرحمة عند مَن يؤمن بالله واليوم الآخر، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو يعلى وغيره، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة” فالصبي أمانة في عنق والديه يسألان عنه في عرصات القيامة، وقلبه الطاهر جوهرة نقية، خالية من كل نقش وصورة، فهو قابل لكل ما ينقش فيه ويغرس، ومستعد للتوجه به إلى أى جهة كما قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح “كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو يمجسانه، أو ينصرانه” فهل يرعى الأبوان، وهل يرعى المربون هذه الفطرة؟
وهل يوجهانها نحو الكمال؟ ألا وإن من شكر نعمة الله عليكم فيهم أن تقوموا بما أوجب الله عليكم من رعايتهم وتأديبهم بأحسن الأخلاق والأعمال فيا أيها الآباء قوا أهليكم النار بفتح أبواب الخير لهم وتوجيههم إليها وتشجيعهم عليها، بينوا لهم الحق ومنافعه ومروهم به وبينوا لهم الباطل ومضاره وحذروهم عنه فإنكم رعاة عليهم وكل راع مسؤول عن رعيته، فمن قام بحسن رعايته فيهم أفلح ونجا، ومن فرط في رعايته فيهم خسر وهلك، عرفوهم بأصول الإيمان وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ألزموهم بأركان الإسلام وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام، مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، علموهم كيف يتطهرون وكيف يصلون وماذا يقولون في صلاتهم وما يفعلون وماذا يجتنبون ويتركون، اغرسوا في قلوبهم محبة الله وتعظيمه، وبينوا نعم الله الظاهرة والباطنة العامة والخاصة.
لترسخ في قلوبهم محبة الله وذكر آلائه ونعمه، واغرسوا في قلوبهم كذلك محبة النبي صلى الله عليه وسلم وبينوا ما حصل على يديه من الخير العظيم لأمته، وأنه صلى الله عليه وسلم الإمام المطاع الذي يجب تقديم محبته وأمره على جميع المخلوقين، بينوا لهم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاق أصحابه الكريمة وما قاموا به من العبادات الجليلة والأعمال العظيمة حتى نصر الله بهم الإسلام وأقام بهم الدين، فإنهم هم العظماء النبلاء الذين حازوا قصب السبق في أعمال الدنيا والآخرة وقادوا الناس إلى الخير فانقادوا إلى ذلك برغبة صادقة، لما نظر الناس إلى أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأعمالهم عرفوا أنهم على الحق وأن طريقتهم هي الطريقة المثلى التي يقوم عليها أمر الآخرة والدنيا فدخلوا في دين الله أفواجا من غير إكراه، علموا أولادكم الصدق بالقول والفعل، فإذا حدثتموهم فلا تكذبوا عليهم وإذا وعدتموهم فلا تخلفوا وعدكم فيروى عن النبي صلى الله عليه وسلم “أن من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة”
وإن أولادكم إذا رأوكم تكذبون هان عليهم الكذب وإذا رأوكم تخلفون الموعد هان عليهم الإخلاف، عودوهم الإحسان إلى الخلق وفعل المروءة وحذروهم من الاعتداء والظلم، اغرسوا في قلوبهم محبة المؤمنين، وبينوا أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وأن الواجب على المسلمين أن يكونوا أمة واحدة ليشبوا على الألفة والمحبة والاتحاد، ومن كان من أولادكم يستطيع القراءة فحثوه على قراءة الكتب النافعة مثل كتب التفسير القيمة لمعاني القرآن، ومثل كتب الحديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل كتب التاريخ الصحيحة البعيدة عن الأهواء، خصوصا تاريخ صدر الإسلام لأن قراءة تاريخ ذلك العصر يزيد القارئ علما بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومحبة لهم وفقها في الدين وأسرار أحكامه وتشريعاته، وحذورهم من قراءة الكتب الضارة التي تخل بعقيدة الإنسان أو عباداته أو أخلاقه، ومن قراءة الصحف والمجلات الضالة التي تتضمن الشك والتشكيك وإثارة الفتن أو تبحث في أمر من أمور الدين على وجه الخطأ.