دين ودنيا

وقفه مع الشورى فى معركة أحد ” الجزء العاشر “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء العاشر مع الشورى فى غزوة أحد، فقد كانت كذلك مجالا لإظهار بطولات النساء وصدقهن، فهذه السيدة نسيبة بنت كعب المازنية، خرجت يوم أحد تنظر ما يصنع المسلمون، ومعها سقاء فيه ماء، حتى انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والنصر للمسلمين، فلما انهزم المسلمون، انحازت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأت تباشر القتال، فذبّت بالسيف، ورمت عن القوس، حتى خلصت الجراح إليها، وظل على عاتقها جُرح أجوف له غور، فلما سُئلت من أصابك بهذا؟ قالت ابن قميئة، أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني هذه الضربة، ولكني ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان، وهذه صفية بنت عبدالمطلب، أقبلت لتنظر شقيقها حمزة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام القها.

فأرجعها لا ترى ما بأخيها، فقال لها يا أمّه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي قالت ولم وقد بلغني أن قد مثل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله؟ فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال خلّ سبيلها” فأتته، فنظرت إليه، فصلت عليه، واسترجعت، واستغفرت له” وتلك امرأة عمرو بن الجموح، تعبّر بصدق عن نتيجة معركة أحد، وقد أقبلت بأخيها وزوجها شهداء على بعير لها، فلما دنت من المدينة، سُئلت ما الخبر؟ فقالت دفع الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذ من المؤمنين شهداء، وقالوا قول الحق سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الأحزاب ” ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا” وعندما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها، وأخوها، وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فلما بلغها استشهادهم، قالت فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قالوا خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت أَرونيه حتى أنظر إليه؟ فأشير لها إليه، حتى إذا رأته، قال كل مصيبة بعدك جلل، تريد صغيرة، وثَم غير ذلك كثير من أمثلة البطولات والصبر، التي تعتبر مثلا أعلى للمسلمين على مدى تاريخهم الطويل، ومنبعا للفدائية، عليهم أن يردوا معينه، وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى المدينة مساء يوم السبت، فقضى فيها ليلة الأحد حيث ضمّد المسلمون جراحهم، ولكن أثر موقعة أحد في المدينة وفي خارجها قد هز من كيان المسلمين، وكان على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعيد للمسلمين هيبتهم حتى لا يتطاول عليهم يهود ومشركو المدينة، ولا يتعرضوا لغارات القبائل حول المدينة، ولاستعلاء قريش وتفكيرها في أن تعاود الكرة لتقضي على المسلمين، وقد فكر الرسول عليه الصلاة والسلام بسرعة وحزم لكي يعيد للمسلمين هيبتهم ومكانتهم، وليرهب عدوه، ويشعرهم بأنه ما زال بالمسلمين قوة، وأن ما أصابهم في أحد لا يمنعهم من تتبع عدوهم والخروج في طلبه.

فأمر بلال صباح الأحد فى السادس عشر شوال بعد صلاة الصبح بأن ينادي في الناس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بطلب عدوهم، وألا يخرج إلا من شهد القتال يوم أحد، فتجمع المسلمون الذين شهدوا أحدا من أنحاء المدينة، ودفع الرسول صلى الله عليه وسلم لواءه الذي ما زال معقودا ولم يُحلّ إلى علي بن أبي طالب، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه، وخرج مع الناس وهو مجروح في وجهه، ومشجوج في جبهته، ورباعيته قد سقَطت، وشفته السفلى قد كلمت في باطنها، ومنكبه الأيمن متوهنة من ضربة ابن قَميئة، وركبتاه مجحوشتان، ولم يخرج عليه الصلاة والسلام بمدد جديد، وإنما بنفس المقاتلين الذين لقوا عدوهم بالأمس، بالشجاعة والبطولة والفدائية التي يتمتع بها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه حيث لا يرضى أن يتبعه إلا مَن كان معه في يوم أحد، مع ما بهم من آثار المعركة، وهنا تظهر بطولة أخرى حيث نرى الجرحى يتحاملون على أنفسهم مع ما بهم من آلام قاسية.

ويخرجون مع الرسول صلى الله عليه وسلم تنفيذا لأوامره، واستردادا لهيبة المسلمين، ويذكر المؤرخون من ذلك أن رجلا من بنى عبدالأَشهل قد شهد هو وأخوه أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعا جريحين، فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو، قال كل منهما للآخر أَتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله مالنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أيسرهما جرحا إذا عجز أخوه عن المشي، حمله عقبة، ومشى عقبة، حتى انتهيا إلى ما انتهى إليه المسلمون، وصدق الله حين يمدح هؤلاء المؤمنين، فيقول كما جاء فى سورة آل عمران ” الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين احسنوا منهم واتقوا أجر عظيم” فسار هذا الجيش الصامد الصابر على ما به من آلام، حتى انتهى إلى حمراء الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث طليعة له، ثلاثة نفر من أَسلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock