فضل العشر الأواخر من رمضان ” الجزء الثانى “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع العشر الأواخر من رمضان، وقد توقفنا عند الأعمال الواجبه فيها ومنها زكاة الفطر حيث تجب على الغنى والفقير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صاع من بر أو قمح على كل صغير أو كبير حر أو عبد، ذكر أو أنثى غنى أو فقير، أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى” رواه احمد وأبو داوود، وكان رسول الله صلى الله علية وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول صلى الله علية وسلم “تحروا ليلة القدر فى العشر الأواخر من رمضان” رواه البخارى، فاحرص على قيام العشر الأواخر من رمضان, ولو أن تضطر إلى تأجيل الأعمال الدنيوية, فلعلك تحظى بقيام ليلة القدر فإن قيامك فيها تجارة عظيمة لاتعوض، وتأتي أهمية قيام ليلة القدر أنها ليلة يحدد فيها مصير مستقبلك لعام قادم ففيها تنسخ الآجال وفيها يفرق كل أمر حكيم، فاحرص أن تكون فيها ذاكرا لله ومسبحا له أو قارئا للقرآن أو قانتا لله وأن تسأله السعادة في الدنيا والآخرة وإياك أن تكون فيها فى مواطن الغفلة.
كالأسواق ومدن الملاهى ومجالس اللغو فيفوتك خير كثير، فقيام ليلة القدر، وهى إحدى ليالى الوتر من العشر الأخير من رمضان أفضل عند الله من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وذلك لقوله تبارك وتعالى “ليلة القدر خير من ألف شهر” أى ثواب قيامها أفضل من ثواب العبادة لمدة ثلاث وثمانين سنة وثلاثة أشهر تقريبا، وأن سبب تسميتها بليلة القدر، هو أنها سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف كما تقول فلان ذو قدر عظيم، أى ذو شرف وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجرى في ذلك العام، وهذا من حكمة الله عز وجل وبيان إتقان صنعه وخلقه، وقيل لأن للعبادة فيها قدر عظيم لقول النبي صلى الله علية وسلم “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” رواه البخارى ومسلم، وأما عن علامات ليلة القدر، فقد ذكر الشيخ بن عثيمين رحمه الله أن لليلة القدر علامات مقارنة وعلامات لاحقة، فالعلامات المقارنة هى قوة الإضاءة والنور فى تلك الليلة، وهذه العلامة فى الوقت الحاضر.
لا يحس بها إلا من كان في البر بعيدا عن الأنوار، وأيضا الطمأنينة، أي طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالى، وأن الرياح تكون فيها ساكنة أى لا تأتى فيها عواصف أو قواصف، بل بكون الجو مناسبا، وأنه قد يُرى الله الإنسان الليلة فى المنام، كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم، وأن الانسان يجد فى القيام لذة أكثر مما فى غيرها من الليالى، وأما عن العلامات اللاحقة، فأن الشمس تطلع فى صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها فى بقية الأيام، ويدل لذلك حديث أبى بن كعب رضى الله عنه أنه قال، أخبرنا رسول الله صلى الله علية وسلم” أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها” رواه مسلم، وإن من فضل العشر الاواخر من رمضان، هو فضائل ليلة القدر، حيث أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن، فقال تعالى” إنا أنزلناه فى ليلة القدر” وأنها ليلة مباركة، قال تعالى “إنا أنزلناه فى ليلة مباركة” ويكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام.
فقال تعالى” فيها يفرق كل أمر حكيم” وقد فضل العبادة فيها عن غيرها من الليالى، فقال تعالى “ليلة القدر خير من ألف شهر” وتنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة، فقال تعالى” تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر” وليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها، فقال تعالى “سلام هي حتى مطلع الفجر” وفيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب فى ذلك الأجر عند الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” رواه البخارى ومسلم، وهكذا تترتب العديد من الفضائل على العشر الأواخر من رمضان، منها تحصيل عظيم الخيرات، والحسنات، والأجور، وفى ذلك اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم، وكما رُوى عنه أنه كان يجتهد فى شهر رمضان بالعبادات والطاعات ما لا يجتهد فى غيره من الشهور.
وتجدر الإشارة إلى أن إحياء النبي للعشر الأواخر لا يعنى قيام الليلة كاملةً بالصلاة إذ رُوى عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي لم يصلى ليلة بكاملها حتى يصبح، فالإحياء لا يقتصر على الصلاة، بل قد يكون بعبادات أخرى، كالذكر، وتلاوة القرآن، والصدقة، وغيرها، وثبوت سنة الاعتكاف فى ليلة القدر بالقرآن، والسنة، والإجماع، وهى تعدّ خيرا من ألف شهر، ولم يُروى عن النبى صلى الله عليه وسلم، أنه ترك الاعتكاف فى العشر إلا إن كان خارجا للجهاد فى سبيل الله، وقد اعتكف الصحابة الكرام رضي الله عنهم معه، واعتكفوا بعده اقتداء به عكوف القلوب على ربّها في تلك الليالي، وتعلقها به فالصيام يُحدث أثرا طيبا في النفس، ويزكيها، ويصل بها إلى مراتب الكمال، وتترتب على ليلة القدر العديد من الفضائل، منها نزول القرآن الكريم فيها في مرحلة من مراحل نزوله، فقد خصّ الله ليلة القدر المباركة بنزول القرآن الكريم فيها، والقرآن كتاب الله الذي يُحقق الهداية للمسلم بالتمسك به، وهو سبيل النجاة والسعادة في الآخرة.
ومن فضائلها أيضا القدر والمنزلة العظيمة لها عند الله، ويدل على ذلك أسلوب الاستفهام عنها للدلالة على تعظيم قَدرها وتفخيمها، وأيضا فيها تقدير الأرزاق، والآجال فيها، وتحقق البركة والخير فيها، بالإضافة إلى نزول جبريل والملائكة، مما يحقق السكينة والبركات فيها، وتحقق السلام والطمأنينة فيها، ودرء العقاب والعذاب عمن أقامها بالطاعة، وغفران الذنوب والمعاصى، وإدراك الخير كله بقيامها وفعل الطاعات فيها، ولكن متى تبدأ العشر الأواخر؟ فإنه بحسب ما اصطلح عليه العلماء بأنها الأيام والليالى الواقعة ما بين ليلة الحادى والعشرين من رمضان إلى آخره سواء كانت عشرة كاملة، أو ناقصة باقتصارها على تسع إذ العبرة بإطلاق اللفظ على الغالب والتمام، وتطلق العشر على الأيام مع ليالها، فقال الله تعالى ” وليال عشر” وتبدأ العشر الأواخر من ليلة الحادى والعشرين من شهر رمضان بغض النظر أكان تسعة وعشرين يوما أو ثلاثين، وأما عن الاعتكاف فى العشر الأواخر من رمضان وردت عدة أقوال.
فى تحديد الوقت الذي يبدأ به الاعتكاف فى العشر الأواخر من شهر رمضان، وبيان أقوالهم هو القول الأول، أنه قال جمهور العلماء، ومنهم أئمة المذاهب الفقهية الأربعة بأن وقت الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان يبدأ منذ اليوم العشرين من الشهر قبيل غروب شمسه أى ليلة الحادى والعشرين، وقد استدل أصحاب هذا القول بما ورد في السنة النبوية، من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، إذ قالت ” كان النبى صلى الله عليه وسلم يعتكف فى العشر الأواخر من رمضان” والعشر تبدأ بغروب شمس ليلة الحادى والعشرين، أما ما رُوى عن النبى عليه الصلاة والسلام من أنه دخل معتكفه بعد صلاة الصبح، فمحمول على استئناف الاعتكاف بعد قطعه لأداء صلاة الصبح، كما بيّن الإمام النووى رحمه الله، وأما عن القول الثانى، فقال كل من الليث، والثورى، والأوزاعى بأن الاعتكاف فى العشر الأواخر من رمضان يبدأ بعد صلاة فجر اليوم الحادى والعشرين.