وقفه مع الإستعداد لشهر رمضان ” الجزء الثامن “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثامن مع الإستعداد لشهر رمضان، ومن أهم مزايا شهر رمضان المبارك أنه كان الشهر الذى فتحت فيه مكة فاستوثقت به عرى دولة الإسلام، وارتفعت بسببه كلمة الإسلام في بلاد العرب، وكان حجر الأساس في الفتوحات الإسلامية في الشرق والغرب، وقد فرض الله تعالى صيام رمضان على المسلمين في السنة الثانية من الهجرة، وجعل صيامه ركنا من أركان الإسلام، وقد صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع مرات قبل وفاته، ومن الجدير بالذكر أن أهل اللغة قد اختلفوا في سبب تسمية شهر رمضان بهذا الاسم، حيث قال فريق منهم أن السبب في تسمية شهر رمضان يرجع إلى أنه يصادف قدومه وقت الحر الشديد في أغلب الأحيان، لذلك فقد اشتق العرب اسم الشهر من الرمض وهو شدة الحر، وقال فريق آخر أن السبب في التسمية يرجع لارتماض الصائمين فيه من شدة حر الجوع والعطش، وذهبت جماعة أخرى من أهل اللغة إلى أن سبب التسمية يرجع إلى أن القلوب تأخذ فيه من حرارة الإيمان والفكرة والموعظة.
كما تأخذ الحجارة والصخور من حر الشمس، وقالت جماعة أخرى أن الرمض هو الاحتراق، لذلك فإن سبب تسمية رمضان بهذا الاسم ترجع إلى رمض الذنوب والسيئات، أي احتراقها بالأعمال الصالحة، وقيل أن التسمية مأخوذة من رمض الذنوب أى غسلها بالأعمال الصالحة، لأن الرميض هو السحاب والمطر في آخر الصيف وأول الخريف، وقيل في سبب التسمية أن العرب كانوا يرمضون أسلحتهم في شهر رمضان أى يجهزونها ويحشدونها للحرب في شهر شوال، وبما أن صوم رمضان واجب محدد بوقت معين من كل عام، ولا يصح أداء هذه الفريضة إلا فيه، فلا بد من معرفة الأحكام المتعلقة بدخول شهر رمضان وخروجه حتى يتم الواجب بشكل صحيح، وفي الحقيقة أن دخول شهر رمضان يثبت بأحد أمرين أولهما رؤية هلال رمضان، فإذا رأى مسلم عاقل بالغ عدل موثوق بأمانته وخبرته هلال رمضان ثبت دخوله ووجب على المسلمين البدء فى الصيام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته”
والأمر الثانى الذى يثبت به دخول شهر رمضان هو تمام شعبان ثلاثين يوما، إذ إن غاية الشهر القمرى ثلاثون يوما، ويستحيل أن يزيد عن ذلك، مصداقا لما رواه البخارى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه ، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين، بالإضافة إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهر هكذا وهكذا وهكذا ثلاثين، والشهر هكذا وهكذا وهكذا ويعقد في الثالثة فإن غُمَّ عليكم فأكملوا ثلاثين” والمقصود أن الشهر تسعة وعشرين أو ثلاثين يوما، وبناء على ما سلف فإنه يستحب ترقب هلال رمضان فى ليلة الثلاثين من شعبان، فإن لم يشاهد الهلال يتم شعبان ثلاثين يوما، وأما خروج شهر رمضان فيثبت بأحد الطريقتين السابق ذكرهما، إلا أن ثبوت مشاهدة هلال شوال لا يتم إلا بشاهدين مع الأخذ بشروط الشهادة بعين الاعتبار، بينما تثبت مشاهدة هلال رمضان بشاهد واحد، وقد علل العلماء ذلك بأن الخروج من العبادة بحاجة إلى احتياط أكبر.
من الدخول فيها، ومن الجدير بالذكر أن ثمة خلاف بين العلماء في مسألة اختلاف المطالع، والراجح من الأدلة العقلية والنقلية أنه في حال ثبت رؤية الهلال في بلد من بلاد المسلمين ولم تثبت في بلد آخر، وكانت المطالع مختلفة فلكل مكان رؤيته، وأما إن لم تختلف فيجب على من لم يره أن يوافق من رآه، وشهر رمضان هو تاسع الشهور في التقويم الهجرى، ويثبت دخوله عند كافة المسلمين برؤية هلال شهر رمضان بالعين في آخر يوم من شهر شعبان بحيث يراه بنفسه، أو يراه شخص موصوف بالعدل، والحكمة، والأمانة، وتؤخذ بشهادته من قبل أولى الأمر، وإذا تعذرت الرؤية فبإتمام شهر شعبان ثلاثين يوما، فقال الله تعالى “فمن شهد منكم الشهر فليصمه” وصوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام الواجبة على كل مسلم ذكر وأنثى، ومن أنكر صيامه فقد كفر، فقال الله تعالى “كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم” وقت الصيام بمجرد ثبوت رؤية الهلال أو إتمام شهر شعبان ثلاثين يوما يبدأ شهر الصيام.
فيلزم على كل مسلم أن ينوى ويعقد العزم على الصيام، ويبدأ الصوم الفعلى لكل يوم من الأذان الثانى للفجر عندما يبدأ البياض بالظهور وينتهي بأذان المغرب وقت غروب الشمس، وإن الحكمة من مشروعية الصيام تطهير النفس البشرية مما يشوبها طوال السنة من الذنوب، والآثام، والخطايا فالصيام سبب للغفران وتكفير للخطايا والسيئات، مساعدة النفس على التخلص من العادات السيئة والأخلاق الحادة كالعصبية، والغضب، والسب، والشتم فهذه أمور منهى عنها عند الصوم الإحساس مع الفقراء بالجوع والعطش فيكون ذلك دافعا لمساعدتهم ومد يد العون لهم، تحقيق لمبدأ عظيم من مبادئ الإسلام ألا وهو المساواة بين كافّة طبقات المجتمع من فقراء وأغنياء فالإمساك عن الطعام والشراب وكافة الملذات وكذلك الإفطار في وقت واحد لجميع المسلمين، مفسدات الصيام الجِماع وهو إقامة العلاقة الزوجية الكاملة مع الزوجة أثناء النهار فيبطل الصيام ويلزمه القضاء مع الكفارة، وإنزال المني دون ممارسة العلاقة الزوجية وتكون عادة.
بسبب تكرار النظر، أو اللمس، أو التقبيل فى نهار رمضان، فيفسد الصوم وعليه القضاء دون الكفارة، وتناول الطعام أو الشراب متعمدا أثناء النهار، أما من فعلهما ناسيا فلا يؤثر على صومه، وكذلك إخراج الدم من الجسم متعمدا عن طريق الحجامة أو التبرع بالدم، أما خروج الدم بدون قصد كالجرح، أو النزيف، أو الرعاف فلا يؤثر ذلك على الصيام، والتقيؤ المتعمد أى إخراج ما بداخل المعدة من طعام وشراب أما إن تقيأ الصائم رغما عنه فلا يؤثر ذلك على صيامه ويكمل صومه إن لم يكن عليه ضرر من إتمامه، إيصال أي شيء إلى داخل الجوف عن طريق الأنف كالسعوط وهو دواء يدخل الأنف، أو بخاخات الأنف، أو عن طريق الوريد كالمغذيات فهى تقوم مقام الطعام، لكن إن كانت إبرا غير مغذية فهناك خلاف فى ذلك والأفضل للمسلم أن يتجنبها حفاظا على صيامه، وإن الصوم فى اللغة هو الإمساك بشكل عام، أما في الاصطلاح الشرعى فالصوم هو الإمساك عن المفطرات كالأكل، والشرب، والجماع، بِنية التقرب إلى الله عز وجل.
في زمن مخصص، وهو من طلوع فجر الشمس وحتى غروبها، وصوم رمضان يعتبر الركن الرابع من أركان الإسلام، والتى لا يصح إسلام المرء دون الإيمان والعمل بها، فرض الله عز وجل فريضة صوم رمضان لأسرار وحكم معينة مختلفة تعود بالنفع على الفرد والمجتمع بشكل عام، وعندما فرض الله عز وجل فريضة الصيام بأحكام معينة كان الهدف من ذلك تحقيق الهدف المرجو من هذه الفريضة وهو بناء النفس وتنشأتها وإعداد قوامها كي تنهض بأمتها ودينها، وجعل الله عز وجل في الصيام أهدافا حيوية وغايات عميقة ترتبط وتتفاعل بوجدان وسلوك الصائم، وأن أوسع وأشمل هدف للصيام هو تحقيق التقوى في القلوب، وهي المبتغى الأول من الصيام، فالتقوى حارس للقلوب والجوارح من ارتكاب المعصية، ومراقبة المرء لنفسه في سره وعلانيته، ويظهر جليا دور الصوم في تحقيق التقوى من خلال التدرب على الصبر في مواجهة صعاب الحياة، ومن خلال مراجعة النفس وحسابها في هذه الدورة الرمضانية، فيراعي المسلم سلوكه ويستلهم رقابة الله له في كل الأوقات، وهذا أعظم مربى للنفس.