دين ودنيا

وقفه مع الإستعداد لشهر رمضان ” الجزء التاسع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع مع الإستعداد لشهر رمضان، وقد توقفنا مع أن يراعى المسلم سلوكه ويستلهم رقابة الله تعالى له في كل الأوقات، وهذا أعظم مربى للنفس، وكذلك الاستعلاء على الشهوات البدنية والمادية وتحرر فريضة الصيام المسلم من اتباع غرائزه، وتقوى عنده الإرادة والتحكم بها، فيسمو عن غيره من باقى الكائنات الحية، وتتغلب روحه على شهواته، ويعلو بعقله وروحه، وهذا أيضا مغزى عظيم من فريضة الصوم، وأيضا من مزايا الصيام هو تقوية صلة الإنسان بربه فيُدرك الإنسان نعم الله عز وجل عند أداء فريضة الصوم، ويستشعر أهميتها وقيمتها، فيُدرك قيمة الشبع وقيمة مطالب الجسد، فيستشعر المسلم نِعم الله عز وجل عليه، كما اقتضت الحكمة الصيام في النهار لا في الليل حتى تتضاعف المشقة والكفاح، بالتالي يدرك المسلم أكثر قيمة هذه النعم المحيطة بهن وإظهار العبودية الكاملة لله عز وجل، وإن صوم المسلم هو ترجمة عملية صادقة للخضوع لله عز وجل، فيترك الصائم جميع المحظورات المتاحة بين يديه.

رغبة في مرضاة الله عز وجل وكسب الثواب، لهذا نسب الله عز وجل ثواب الصوم إليه فقال فى الحديث القدسى ” كل عمل بن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك” وإن الصوم يزيد الإخلاص وإن نية الصوم هي شرط من شروط الصيام وأساس لقبولها، والنية الصادقة للصوم هي تدريب عملى للإخلاص بين العبد وربه بعيدا عن الرياء، فمعظم العبادات قد يداخلها الرياء إذا كان لها مظاهر خارجية كالزكاة والصلاة، أما الصيام فلا يعلم حقيقته إلا الله، وبذلك تتحقق التقوى ومراقبة الله عز وجل، وأيضا فإن من مزايا الصيام هو تقوية الجانب الخُلقى والنفسى فإن الصوم يغرس الأمانة في النفس والصوم خير وسيلة لغرس وتنمية الأمانة، ومراقبة النفس دون رقيب، فيتخلى الصائم عن شهواته وطعامه وشرابه دون وجود رقيب عليه، فيستحضر وجود الله تعالى له في كل الأوقات، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانتة” وإن الصيام هو تدريب على الصبر.

وإن الصبر خُلق مكتسب، ويعتبر الصيام هو أحد العوامل التي تُنمى خُلق الصبر عند الصائم، فعندما يتحمل الصائم الجوع والعطش ومشاق الصيام، يصبح قادرا فيما بعد على تحمل مصاعب أخرى، ويملك أسباب التحدى، والثبات، والمقاومة التي تساعده في مواجهة الحياة بصبر وإيمان، وكذلك فإن من مزايا الصيام هو تزكية النفس وتطهيرها، حيث يدرب الصيام النفس على التحلية بالفضائل والأخلاق الحسنة، وترك الرذائل والمنكرات خشية على تمام صيامه، ، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “من لم يدع قول الزور، والعمل بِه، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه، وأيضا من مزايا الصيام هو ضبط النفس والتحكم بها، وإن من فضائل الصوم على النفس البشرية شحذ العزيمة، وتمكينها من كبح شهواتها والتحكم بها، والتحرر من عاداتها المستحكمة فيها، وضبط أعصابها في المواقف التي تستوجب ذلك، وإلا لم يحقّق الصوم أحد أهدافه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول.

“الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر “رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه “رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه “رواه البخاري ومسلم، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “صلى في المسجد ذات ليلة في رمضان فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله فلما أصبح قال “قد رأيت الذى صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم “رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

“أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل “رواه النسائى، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان ” رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة “رواه الترمذى، وإن من مزايا الصيام أيضا هو وقاية الصائم من الاضطراب النفسي، فالصوم يبلغ النفس الطمأنينة والأمان، ويبعد عن القلق والوسواس، عندما يشعر الصائم بقربه من الله عز وجل، تقوية، وقد أثبتت الدراسات أن النشاط العقلى يزداد بجوع الفرد، وتتحقق أعلى نسبة للصفاء الذهنى فى وقت الصوم، فكثرة الطعام تسبب خمولا وكسلا واسترخاء.

وكما تحسين القدرة على الإدراك والفهم فتزداد قدرة الإنسان على التفكير والإدراك والفهم خلال الصوم، وكان السلف الصالح يتحيز هذه الأوقات لزيادة كتاباتهم، ومضاعفة إنتاجهم، وأيضا من المزايا هو تقوية الجوانب الاجتماعية وتحقيق التكافل والود والتعاطف، فإن المجتمع الإسلامى يقوم على أساس التكافل، والتراحم، والتعاطف، ويتنافس المسلمون في رمضان على الجود والكرم وإطعام الطعام، فالصيام ينبه المسلمين للإحساس بالفقراء والجائعين، ويحفزهم لتقديم الخير، وتقوية العلاقات الاجتماعية فالصيام يعمل على توطيد وتوثيق العلاقات، وتقوية صلة الرحم، فالصدقة تزيل الغضب والحقد عند الفقراء، مما يزيد في توثيق وتوحد الأواصر بين أفراد المجتمع، وإن صيام رمضان هو مظهر للمساواة، فصوم رمضان يحقق المساواة بين أفراد المجتمع سواء كانوا أغنياء أم فقراء، فهم مجبرون للانصياع لأحكام الصيام وأركانه سواء، هذه المساواة تفرح الفقير، وتزيد الرحمة عند الغنى، وأيضا يعمل الصيام على توازن الجانب الاقتصادى.

وتقليل النفقات، فيدعو الإسلام للاعتدال في النفقات وعدم الإسراف في كافة الأمور، وكما حث الإسلام على عدم التبذير والتوسط في تناول وجبات الطعام، وكما أن الصيام يعمل على زيادة الإنتاج، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن الصيام يزيد قدرة الصائم على التركيز وبالتالى يزيد الإنتاج، لأن النشاط الذهنى والبدنى يرتفعان في حالة الجوع، وهذا ينعكس على زيادة الإنتاج بصورة واضحة، وكذلك تطبيق الجانب التربوي وتربية الإرادة، حيث أن الصوم يقوى إرادة الفرد والقدرة على التحكم بها، ويقوى السيطرة على النفس، فالصوم مدرسة إجبارية ينتسب إليها المسلمون شهرا كاملا لتربية جوانب مختلفة في حياتهم، وأيضا وجود القدوة، حيث يقلد الأطفال الكبار فى شهر رمضان، وتظهر القدوة الحسنة بالنسبة للأطفال، فهم يقلدون الكبار فى أداء الشعائر، كالسحور، وصلاة التراويح، ومحاولة الصوم، وأيضا التربية الفردية والاجتماعية، حيث إن الصيام خير مدرسة للمسلم على تربيته للتكيف الاجتماعى، لما يقتضيه من أداء الواجبات الحسنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock