دين ودنيا

وقفه مع أحكام الصيام ” الجزء الثالث “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع أحكام الصيام، وقد توقفنا عند حكم الاستقاءه، وهو أنه يبطل الصوم بالاستقاءة بمعنى أن يتعمد الصائم إخراج القيئ من جوفه، فلو تعمد إخراج القيئ بطل صومه، ومثل ذلك فيما إذا غلبه القيئ وخرج كرها وأعاده عمدا إلى جوفه بطل صومه لأنه في حال إعادته يعد إيصال عين إلى الجوف وهو مبطل للصوم فإن ذرعه القيئ أى غلبه وخرج بغير تعمد إخراجه فلا يبطل صومه وهو حينئذ غير مكلف بما هو خارج عن إرادته، إلا إذا أعاده إلى جوفه عمدا ولو استقاء ناسيا للصوم فلا يبطل صومه، وأما استخراج النخامة من الجوف عمدا فلا يبطل بها صومه ويدل على هذا حديث “من ذرعه القيئ، فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض” وأيضا الجماع بالتقاء الختانين وتغيب الحشفة في أحد السبيلين، سواء أنزل أم لم ينزل، حال العلم والعمد والاختيار، فإذا جامع الصائم فى نهار رمضان عامدا مختارا بطل صومه مع الإثم لأجل الصوم، ووجب عليه قضاء صوم ذلك اليوم الذي أفسده، ويجب عليه مع القضاء للصوم.

الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع صيام شهرين متتاليين أطعم ستين مسكينا، هذا إن أفسد صومه في نهار رمضان، فيجب عليه مع القضاء الكفارة والإمساك بقية اليوم مراعاة لحرمة الوقت في نهار رمضان، وكذلك إنزال المنى عمدا بمباشرة، بمعنى خروج المنى بطريق المباشرة بشهوة، وذلك أن الصوم من حيث ترك المفطرات التى تتضمن معنى الإمساك عن شهوتى البطن والفرج، أما خروج المني بطريق الاحتلام أى حال النوم فلا يبطل به الصوم، وأما عن خروج دم الحيض والنفاس، فيبطل صوم المرأة بخروج دم الحيض أو النفاس في نهار الصوم ولو بلحظة قبل غروب الشمس وهذا بإجماع أهل العلم، ويدل على هذا حديث أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال” أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم؟ أخرجه البخاري ومسلم، وحديث معاذة لما سألت السيدة عائشة عن قضاء الحائض الصوم دون الصلاة، فقالت كان يصيبنا، وقد ذكر النووى فى صوم الحائض.

أنه أجمع أهل العلم على أن الصوم لا يصح من الحائض، ومثلها النفساء، وكذلك الولادة وهى خروج الولد ولو بغير بلل، وكذلك الجنون إذا طرأ على الصائم ولو لحظة، وأيضا الإغماء إن عم جميع النهار، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويلزم قضاء الصوم، وإذا أفاق فى أي جزء من النهار صح صومه، وأيضا السكر عمدا إن عم جميع النهار، أما النوم فلا يبطل به الصوم، وأيضا الردة وهى الرجوع عن الإسلام إلى الكفر باختيار بكفر صريح، وهناك تفاصيل أوفى، في كتب فروع الفقه، وقال ابن كثير وهو حديث تفرد به عاصم بن أبي النجود، قاله النسائى، وحمله على أن المراد قرب النهار، كما قال تعالى فى سورة الطلاق “فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف” أى قاربن انقضاء العدة، فإما إمساك أو ترك للفراق، وهذا الذى قاله هو المتعين حمل الحديث عليه أنهم تسحروا ولم يتيقنوا طلوع الفجر، حتى أن بعضهم ظن طلوعه وبعضهم لم يتحقق ذلك، وحكى أبو جعفر بن جرير في تفسيره، عن بعضهم.

أنه إنما يجب الإمساك من طلوع الشمس كما يجوز الإفطار بغروبها، قلت وهذا القول ما أظن أحدا من أهل العلم يستقر له قدم عليه، لمخالفته نص القرآن في قوله “وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل” وإن من مستحبات الصوم تعجيل الفطر عند بداية دخول وقت صلاة المغرب، أى أنه يستحب للصائم المبادرة بالإفطار في أول الوقت ولا يؤخره، ويدل عليه من السنة فعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر” وقال ابن حجر، قال ابن عبد البر أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة، وعند عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودى قال “كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا” ويكون ذلك بغروب الشمس، ومن كان وراء أبنية الجبال ولم يشاهد الغروب فيدخل الوقت بغروب شمس أقرب الأمكنة إليه ويكون بإقبال ظلمة الليل وذهاب ضوء النهار.

وعن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم” أى بمعنى دخل وقت الفطر، وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال انزل فاجدح لنا قال يا رسول الله لو أمسيت قال انزل فاجدح لنا قال يا رسول الله إن عليك نهارا قال انزل فاجدح لنا فنزل فجدح ثم قال إذا رأيتم الليل أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم وأشار بإصبعه قبل المشرق” ويدخل وقت صلاة المغرب بغروب الشمس فعن سلمة بن الأكوع “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب” وقد اتفق العلماء على أن أول وقت صلاة المغرب غروب الشمس، ووقع الخلاف في العلامة التي يعرف بها الغروب، ويستحب تعجيل صلاة المغرب لأول وقتها فعن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا تزال أمتي بخير، أو على الفطرة، ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم”

وعند ابن ماجه والحاكم وابن خزيمة فى صحيحه بلفظ “لا تزال أمتى على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم ” وقال الشوكانى والحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة المغرب وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم، وقد عكست الروافض القضية فجعلت تأخير صلاة المغرب إلى اشتباك النجوم، مستحبا والحديث يرده، وقال أيضا قال النووى فى شرح مسلم “إن تعجيل المغرب عقيب غروب الشمس مجمع عليه” قال وقد حكى عن الشيعة فيه شيء لا التفات إليه ولا أصل له، وأما الأحاديث الواردة في تأخير المغرب إلى قرب سقوط الشفق فكانت لبيان جواز التأخير، وقد سبق إيضاح ذلك لأنها كانت جوابا للسائل عن الوقت، وأحاديث التعجيل المذكورة في هذا الباب وغيره إخبار عن عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتكررة التي واظب عليها إلا لعذر فالاعتماد عليها، وقد رواه الجماعة إلا النسائى، وقال الشوكانى والحديث يدل على أن وقت المغرب يدخل عند غروب الشمس، وهو مجمع عليه.

وأن المسارعة بالصلاة في أول وقتها مشروعة، وقد ذكر الشوكاني أن وقت صلاة المغرب يدخل بغروب الشمس بالإجماع، وإنما وقع الخلاف في العلامة الدالة على ذلك على ثلاثة أقول فقيل بسقوط قرص الشمس بكماله، وهذا إنما يتم في الصحراء، وأما في العمران فلا، وقيل برؤية الكوكب الليلى، وبه قالت القاسمية، واحتجوا بقوله “حتى يطلع الشاهد” وهو النجم، رواه مسلم والنسائى من حديث أبي بصرة، وقيل بل بالإظلام، وإليه ذهب زيد بن علي وأبو حنيفة والشافعى وأحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى والإمام يحيى، واستدلوا بحديث ابن عمر وعبد الله بن أبى أوفى “إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم ” رواه البخارى ومسلم، ولما فى حديث جبريل من عليه السلام من رواية ابن عباس رضى الله عنهما بلفظ ” فصلى بي حين وجبت الشمس وأفطر الصائم” ولحديث الباب وغير ذلك، وأجاب صاحب البحر عن هذه الأدلة بأنها مطلقة، وحديث “حتى يطلع الشاهد” مقيد، وقد ورد بأنه ليس من المطلق والمقيد أن يكون طلوع الشاهد أحد أمارات غروب الشمس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock