وقفه مع رمضان شهر المجد والإنتصارات ” الجزء الثامن”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثامن مع رمضان شهر المجد والإنتصارات، وأما عن غزوة فتح مكة، فكانت في السنة الثامنة لهجرة النبى صلى الله عليه وسلم وقد خرج النبى صلى الله عليه وسلم فى رمضان ومعه عشرة آلاف من الصحابة رضي الله عنهم فافتتح مكة، ودخلها فطاف بالبيت الحرام، ثم حطم ثلاثمائة وستين صنما حول الكعبة، ثم دخل الكعبة فصلى فيها ركعتين، وكبّر فى نواحى البيت، وخطب من الغد في الناس خطبة عظيمة، وبايعه أهل مكة رجالا ونساء على الإسلام، وأصبحت مكة دار إسلام وإيمان، وأقام بها النبى صلى الله عليه وسلم تسعة عشر يوما يجدد معالم الدين، ويرشد الناس إلى الإسلام، ويبث سراياه حول مكة للدعوة إلى الإسلام وتحطيم الأوثان، وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة الفتح في رمضان” رواه البخارى، وفى رواية للبخارى ومسلم أن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم خرج فى رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف مسلم.
وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد، وهو ماء بين عسفان وقديد أفطر وأفطروا حتى دخل مكة، وقال أبو سعيد الخدرى رضي الله عنه سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم” فكانت رخصة فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخَر فقال “إنكم مُصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا” وكانت عزمة، فأفطرنا” رواه مسلم، وفى رمضان من السنة الخامسة كان استعداد المسلمين لغزوة الأحزاب وحفر الخندق، وأما المعركة فقد وقعت في شوال من العام نفسه، وفى رمضان وقعت بعض أحداث غزوة تبوك فى السنة التاسعة من الهِجرة، وفى رمضان من السنة الثامنة للهجرة بعث النبى صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضى الله عنه لهدم بيت العُزى، وبعث عمرو بن العاص رضى الله عنه لهدم سواع.
وبعث سعد بن زيد الأشهلى رضي الله عنه لهدم مناة، وفى رمضان من السنة التاسعة بعث النبى صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة لهدمِ اللات الذى كانت تعبده ثقيف، وفى رمضان كانت معركة البُويب بين المسلمين والمجوس، بقيادة المثنى بن حارثة رضي الله عنه سنة ثلاث عشرة للهجرة، فى خلافة أبى بكر الصديق رضى الله عنه وقد عزم المثنى على المسلمين بالفطر فأفطروا عن آخرهم، وكان النصر فيها عظيما، وكانت نظير معركة اليرموك بالشام، وكانت معركة القادسية فى رمضان وهى المعركة الفاصلة بين المسلمين والفرس في رمضان من السنة الرابعة عشرة للهِجرة، بقيادة سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقد عانى المسلمون فى هذه المعركة من الفيلة، ونفرت منها الخيل، ولكن أبطال الإسلام شدوا عليها وقلعوا عيونها برماحهم وخراطيمها بسيوفهم، فولت هاربة تدك أصحابها، وانتصر المسلمون انتصارا عظيما، وفى رمضان كان فتح الأندلس.
وكان فى رمضان سنة اثنتين وتسعين للهِجرة، بقيادة طارق بن زياد ومعه اثنا عشر ألف جندي عامّتهم من المسلمين البربر، فهزموا الجيش القوطى، وكان زهاء أربعين ألف جندى وقتلوا ملكهم، وكانت بداية الفتح الإسلامى للأندلس، وفى رمضان كانت معركة بلاط الشهداء وهو سهل قريب من مدينة بُواتييه الفرنسية قرب باريس، وقعت فيه المعركة الشهيرة بين المسلمين والفرنجة بقيادة عبدالرحمن الغافقى سنة أربع عشرة ومائة للهجرة فى أواخر شعبان وأول رمضان، وقد قتل فيها الغافقى رحمه الله وانهزم المسلمون، وكان ذلك سببا لوقف الفتح الإسلامى فى أوروبا، وكان فتح عمورية فى رمضان وهى بلدة كبيرة قرب أنقرة في تركيا الآن، وكانت من أفضل بلاد النصرانية، وأشرف عندهم من القسطنطينية، وكان الروم قد هاجموا المسلمين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا الرجال وسبوا النساء، فصاحت منهم امرأة هاشمية “وامعتصماه” فبلغ الخبر المعتصم، فأجابها وهو جالس على عرشه “لبيك، لبيك” وجهز جيشا عظيما.
وخرج إلى الروم، فافتتح عمورية فى رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وفى رمضان كانت موقعة الزلاقة وهى موضع بالأندلس كانت فيه المعركة المشهورة فى رمضان سنة تسع وسبعين وأربعمائة للهجرة بين جيش المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين الذى دخل إلى الأندلس من المغرب، وجيش الفرنجة، وكان قائد الفرنجة قد كتب كتابا يتهدد فيه المسلمين، فكتب له ابن تاشفين على ظهر كتابه “الذى يكون ستراه” وقاد المعركة بنفسه، وكان في الرابعة والثمانين من عمره رحمه الله وكتب الله فيها النصر للمسلمين، وفى رمضان كانت معركة عين جالوت وهى قرية قرب نابلس، حدثت المعركة بين المسلمين والتتار سنة ثمان وخمسين وستمائة للهجرة، بقيادة سلطان مصر الملك المظفر قطز، فلما التقوا ألقى الملك المظفر خوذته عن رأسه إلى الأرض، وصرخ بأعلى صوته واإسلاماه، وحمل بنفسه ومن معه حملة صادقة فانهزم التتار، ثم رجعوا ثانية، وتزلزل المسلمون زلزالا شديدا، فصرخ السلطان صرخة عظيمة سمعه معظم العسكر.
وهو يقول “واإسلاماه” ثلاث مرات، يا الله، انصر عبدك قطز على التتار، فقاتلوهم قتالا شديدا فهزموهم، ونزل السلطان عن فرسه ومرّغ وجهه على الأرض وقبّلها، وصلى ركعتين شكرا لله تعالى، وفى رمضان معركة شقحب أو مرج الصفر وهو موضع قرب دمشق، وكانت فى أول رمضان سنة اثنتين وسبعمائة بين المسلمين من أهل الشام ومصر مع التتار، بقيادة السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ومعه شيخ الإسلام ابن تيمية يشجعهم ويأمرهم بالجهاد ويشاركهم فيه، ويعدهم بالنصر، ويحلف لهم بالله إنهم منصورون، فيقولون له قل “إن شاء الله” فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا، ثقة منه بنصر الله تعالى وأفتاهم شيخ الإسلام بالفطر في رمضان، وكان يدور على الأمراء والجند ومعه شيء يأكل منه ليعلموا أنه مفطر، فانهزم التتار هزيمة منكرة، وفى رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وألف للهجرة هزم المصريون اليهود فى حرب العاشر من رمضان وهى حرب أكتوبر، أو ما يُسمى بمعركة العبور.
أي عبور القوات المصرية قناة السويس واسترداد سيناء، وفى رمضان تم القضاء على المجوسية فى موقعة القادسية، بين المسلمين الذين كان عددهم ثلاثين ألفا، والمجوس الذين كان عددهم مائة وعشرون ألفا، بعد أن نقضوا عهد الذمة مع المسلمين، فأعز الله كلمة التوحيد، وجعل عباد النار في الأذلين، وفى رمضان، وقعت معركة حطين، التى استرد المسلمون فيها بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبى، وانتصروا على الصليبيين، الذين قاتلوا المسلمين قرنين من الزمان، وظلت القدس ما يقارب اثنين وتسعين عاما لا يرفع فيها أذان، ومع أن هؤلاء الصليبيين قتلوا أكثر من سبعين ألفا من أهالى القدس من رجال، وكهول، ونساء، وأطفال، إلا أن صلاح الدين عاملهم بتسامح كبير، إذ لم يطالبهم إلا بالخروج من القدس، ودفع جزية رمزية للقادر عليها، وفى رمضان انتصر المسلمون على التتار الذين اكتسحوا العالم، وأرعبوا الخلائق، وجابوا الأرض طولا وعرضا، حتى وقف لهم الملك المظفر “سيف الدين قطز” في معركة “عين جالوت” يوم الجمعة، الخامسِ والعشرين.