وقفه مع أهلا رمضان ” الجزء السادس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع أهلا رمضان، رمضان يا شهر الخير والبركات، ها هى أكبادنا قد ذابت شوقا إليك ورجاء فى لقائك، وأرواحنا تعطشت لصلاة التراويح وها هى الدموع تفيض من أرواحنا شوقا إليك فمتى يحين اللقاء؟ رمضان يا شهر التقاء الأرواح مع بعضها، يا شهر الألفة والمحبة واجتماع الأقارب والأهالي، وإنه ينادى منادى كل ليلة من ليالى شهر رمضان فيقول يا باغى الخير أقبل، ويا باغى الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك فى كل ليلة، فيا باغى الخير أقبل فهل من أحد لا يريد الخير؟ فكلنا يريد الخير وكل الناس يريدون الخير، لكن الشأن لا يقتصر على الإرادة فلابد من العمل، فإذا أردت الخير فعليك بالعمل فقال تعالى فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة الإسراء ” ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا” فإذا أردت الخير فالعمل، فأعمل الخير ولا يكفى الإرادة فإن فى الحديث أن العاجز من اتبع نفسه هواها وتمن على الله الأمانى، فالأمانى لا تنفع والإرادة وحدها من دون عمل لا تنفع.
فيا باغى الخير أقبل، أقبل على الله بالطاعات وأقبل على الله بالقوربات، وإن أول ذلك هو المحافظة على الفرائض فى أوقاتها ثم بقية الأعمال فبادر بها نوعها واشتغل بها فإنك بحاجة إليها عما قريب والله عما قريب ستحتاج إلى الحسنة الواحدة حينما يحضرك الأجل ويختم العمل وتتمنى الرجوع لعمل صالحا فلا تمكن من ذلك، فأنت الآن فى زمن الطلب وفي زمن الأمنية وقد أهلّ الله عليك هذا الشهر فبادره بالطاعات والقروبات يا باغى الخير أقبل، أقبل على الله وأعرض عما سواه، أقبل على الله بالطاعات والقروبات والصدقات وفعل الخيرات، أقبل بكل أنواع الإقبال على الله فإن الله مقبل عليك سبحانه وتعالى ويتقبل منك القليل والكثير ويضاعف لك القليل أضعاف كثيرة، فقال تعالى ” إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما” فأقبل على الله بكل أنواع الإقبال فإن الله مقبل عليك ما دمت مقبل عليه، أما إذا أعرضت عن الله فإن الله عز وجل يعرض عنك فهو غني عنك وأنت الفقير المحتاج إليه.
ويا باغى الشر أقصر، فيا من يريد إضلال الناس وإغواء الناس وإفساد الناس، ويا من يريد إشغال الناس بالملاهى والمعازف والمزامير، ويا من يريد إشغال الناس بالأفلام والخزعبلات، ويا من يريد إشغال الناس بالمضحكات والملهيات أقصر، وأقصر فأخسر وأخسأ عدو الله فإنك مهزوم وإنك مغبون وإنك مطرود فعليك أن تعرف قدر نفسك ولا تشغل المسلمين، فيا باغي الشر أقصر، أقصر عن الشر فإن لم تقصر فستقصر بأمر الله سبحانه وتعالى وستخصر يوم لا ينفعك الندم، وإن العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية، والعبادات الشعائرية تشبه ساعات الامتحان الثلاثة، والعبادات التعاملية تشبه العام الدراسي بأكمله، فمن لم يدرس، ومن لم يداوم، ومن لم يحفظ، ماذا يفعل بهذه الساعات الثلاث، لا معنى لها، لقد فقدت معناها، قيمة هذه الساعات الثلاث، وساعات الامتحان التي هى بمثابة العبادات الشعائرية قيمتها مِن قيمة العبادات التعاملية، وهذا مثل الذى يفتتح شركة ويعيِّن مندوبين للمبيعات.
فيأتى المندوب صباحا ليأخذ التعليمات، ويعود مساء بالربح، ويعطيه أجره كل يوم، فأنت حينما تأتى إلى المسجد فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول” اللهم افتح لي أبواب رحمتك” أما حينما تخرج من المسجد فتقول” اللهم افتح لي أبواب فضلك” وإن للعبادات الشعائرية شأن خطير، إذا صحبها التزام دقيق، وصحبها طاعة لله، وصحبها ضبط للأمور، وصحبها إقامة الإسلام، وصحبها إقبال على الواحد الديان، عندئذ تصح هذه العبادات وتقطف ثمارها، ولكن يجب على من يؤدى العبادات الشعائرية أداء شكليا لا تؤدى هذه العبادات، ولكن أضف إليها طاعة الله عز وجل، وأضف إليها ضبط اللسان، وأن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى، فإن رمضان فرصة ذهبية سنوية تصطلح فيه مع الله، بماذا أمرك الله في رمضان؟ هو أن تدع الطعام والشراب، وأن تدع ما هو مباح لك فى الليل، فأنت حينما تفعل شيئا من المعاصى يختل توازنك، فلقد تركت المباح، فلأن تدع المحرَّم من باب أولى.
فهذا الذى يغتاب، وهذا الذى يشهد شهادة زور، وهذا الذى يحلف أيمانا كاذبة، وهذا الذى يطلق بصره فى رمضان، وهو ممتنع عما هو مباح خارج رمضان، فلأن يكون ممتنعا عن الحرام من باب أولى، ويختل توازن الصائم، حينما يدع ما هو مباح، ويقترف ما هو غير مباح، وهذا الذى لا يستطيع أن يدع طعامه وشرابه، ولا يستطيع أن يدع معاشرة أهله، ولا أن يدع المعاصى والآثام، فهذا منهزم أمام نفسه، ولن يستطيع أن ينتصر على عدو فى حياته كلها، ولن تستطيع أن تنتصر على عدو إلا إذا كنت منتصرا على نفسك في رمضان، فلماذا كان النبى صلى الله عليه وسلم من بني البشر، ولماذا كان يجرى عليه كل ما يجرى على البشر، لأنه انتصر على نفسه فكان سيد البشر، وإن هناك معنى آخر من معانى الصيام، وهو أنه أنت مفتقر إلى الله عز وجل، مفتقر في وجودك إليه، ومفتقر إليه في استمرار وجودك، مفتقر في كمال وجودك إليه، ومفتقر إلى هذه اللقيمات التي تأكلها، ومفتقر إلى كأس الماء الذى تشربه، أنت في الإفطار تأكل وتشرب وتنام.
وتشعر بقوة وحيوية ونشاط، ولكن حينما تدع الطعام تشعر أنك امرؤ ضعيف، وأنك امرؤ مفتقر فى وجودك إلى لقيمات تضعها فى فمك، فهذا الذى يقول أنا، ويقول أنا، ويطغى، ويتكبر، وينسى المبتدى والمنتهى، ويعلو على عباد الله فهذا ما عرف حقيقة نفسه، فلعل من معانى الصيام أن تكتشف عبوديتك لله عز وجل، وأن تكتشف افتقارك إليه، ودائما وأبدا حينما تعتد بنفسك يتخلى الله عنك، وحينما تفتقر إليه يتولاك بالحفظ والرعاية والتوفيق، فنحن بين امتحانين، فلعل في رمضان كشفا لافتقارنا إلى الله عز وجل، ولعل فى رمضان تقوية لإرادتنا على طاعة الله سبحانه وتعالى، لأننا تركنا المباح، فلأن ندع غير المباح فمن باب أولى، فلعلنا في رمضان نصون كل جوارحنا وكل أعضائنا، وكل ما حولنا عن معصية الله تبارك وتعالى، فإن العبادة الشعائرية تنبع قيمتها من العبادة التعاملية فعن أبى هريرة رضى الله عنه، يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن رب العزة سبحانه وتعالى ” وما يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته.
كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها” رواه البخارى، وهذا يعني لا يستمع إلى شيء إلا وفق الوحيين، لا يقبل شيئا يتناقض مع الوحى، ولا يرى شيئا إلا بمقياس الدين، ولا يرى الدنيا في أبهى زينتها، بل ويرى ما وراءها كذلك، الموت، لا يرى المعصية وكيف أنها جذابة، بل يرى عقابها فهو يرى بنور الله، ويستمع إلى كلام يتطابق مع وحي الله، ولا يتحرك حركة بيده إلا في طاعة الله، ولا يمشي إلى مكان إلا في مرضاة الله عز وجل، فعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن رب العزة سبحانه وتعالى ” وما يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى لأعطينه ولئن استعاذنى لأعيذنه ” رواه البخارى، ألم يقل الله عز وجل فى كتابه العزيز فى سورة الشعراء ” يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم ” .